ميل البرهان لوقف الحرب..قراءة بين السطور
(1)
مازال رئيس مجلس السيادة السيد عبد الفتاح البرهان يواجه سيلا من الإنتقادات غير الموضوعية إزاء موقفه الأخير الذي أعلن من خلاله عدم الممانعة من أي وسيلة أو وضع يوقف الحرب والتدمير وسفك الدماء ويضع حدا لمعاناة المواطن السوداني ..هناك من رأى في هذا الموقف ضعفا، وهناك من رأى فيه تساهلا مع المتمردين على نحو يجعل لهم نصيبا مفروضا في المعادلة السياسية والاعتراف بهم..
وبالمقابل هناك من رأى في موقف البرهان وميله إلى وقف الحرب بداية جديدة للتحرر من تدخلات (الفلول) في قرارات المؤسسة العسكرية واستقلاليتها..
(2)
لكن أيّاً كان التبرير والتفسير لموقف البرهان الداعي لوقف الحرب بأي وسيلة، فإن هذا الموقف هو الموقف الذي سيقفه أي زعيم أو أي رئيس دولة في مثل هذه الحالة ، حتى وإن لم يكن هو الموقف الحقيقي..فالسياسة والدبلوماسية والتعامل مع الرؤساء وزعماء العالم الوسطاء الدوليين تقتضي إعلان هذا الموقف العقلاني الموضوعي بعيدا عن العواطف والشطط والانفعالات…
وبمعنى أدق لو أن البرهان ينوي القضاء على المتمردين وإبادتهم تماما ، ما كان ليعلن غير الموقف الذي أعلنه، وهو موقف يمثل قاسما مشتركا لكل رجل دولة في العالم…إذن هذا الموقف موقف سياسي دبلوماسي عقلاني موضوعي حكيم، يرسم للبرهان صورة رجل الدولة الحكيم الذي يسعى لحقن دماء شعبه وقواته، ويلجأ لوسائل أقل خسارة لحل أزماته، وهذه صورة جيدة لرجل الدولة في المخيلة العالمية…
ثم أن قوات الدعم السريع المتمردة بأفعالها غير المنطبطة وممارساتها التي خلقت حواجز نفسية قاسة التفاصيل والتقاسيم بينها والمواطنين، لن تجعل البرهان يخسر أي رهان وستوجد له بأفعالها وممارساتها ألف تبرير لأي عمل يقوم به في كبح جماحها…
(3)
إذن الموقف عاليه لن يضر البرهان ولا الشعب السوداني ولا الجيش أكثر من مواقفه المتساهلة السابقة مع هذه القوات وقائدها، بل سيحرج الطرف الآخر وداعميه الإقليميين والدوليين، ويقطع عنهم العشم في التخفي تحت ظلال السيوف وغبار المعارك لتمرير أجندتهم الدولية والإقليمية لتقسيم السودان وتمزيقه، ومشاريعهم الإستيطانية الاستعمارية.
(4)
صحيح أن الحرب ستكسر شوكة الدعم السريع عاجلا أم آجلا، لكنها بالمقابل فإن استمرارها سيكسر عظم السودان كله، ويجعل أعزة أهله أذلة يتسولون الإغاثات ويستجدون المساعدات في معسكرات اللجوء والنزوح بعد تدمير منازلهم ونهب ممتلكاتهم، وسرقة مواردهم تحت غبار المعارك وصليل السيوف ..
لكن بالتأكيد إنهاء التمرد يمكن أن يحدث دون حرب خاصة، وأن الجيش السوداني مثلما أنه يمتلك كل أدوات الحرب فإنه أيضا يمتلك كل أدوات تعزيزات الموقف التفاوضي فهو المسؤول دستوريا عن حماية الارض والدستور والحريات والديقراطية، وليس سواه، وإن تخلى عن واجباته هذه فهناك من الوسائل السياسية والآليات التي تجبره للتراجع والإلتزام بواجباته،فالإمكان محاصرة الدعم السريع على طاولة المفاوضات مثلما تمت هزيمته عسكرياً، فالمفاوضات لن تؤسس وضعا يسمح للدعم السريع بحماية الديمقراطية،بل ستضع اللبنة الأولى لانتقال السلطة للمدنيين إن سارت على النحو الصحيح، وهذا الأمر سيؤسس للحكم الديمقراطي المدني الذي سيعيد الجيش إلى وظيفته الاساسية التي ليس فيها الحكم ولا السياسة، وهو أساس أيضا ليس فيه جيشان في دولة واحدة ولا مليشيات ولا كتائب عسكرية…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تخب ان يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.