محجوب مدني مححوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح:
لماذا (لا للحرب)؟
كان ينبغي أن نفهمها منذ البداية، وهو أن الخلية الحالية التي تكونت وتشكلت من خلية الجيش الحالية ثم ارتدت تهاجمها ما كان لخلية الجيش الحالية أن تحسمها وتقضي عليها.
كان ينبغي أن نعي منذ البداية أنه استحالة أن تتخلص خلية الجيش الحالية من الخلية التي عملت على استنساخها.
فماذا يصنع الجيش إزاء هذه الخلية التي انقلبت عليه؟
هناك احتمالان لموقف الجيش:
الأول: أن هذا الجيش جيش مستقل لا علاقة لقيادته بكيانه بمعنى أن خططه تصدر من هيئة، وبالتالي لا يمثل قائده سوى تنفيذ هذه الخطط.
فما أن تكتشف الهيئة أن القائد لم يكن موفقا في السير على الطريق الذي يضمن سلامة وحفظ الجيش، فعندئذ تتدخل هذه الهيئة لإبعاد هذا القائد، ومن ثم تظهر قيادة جديدة بخلية جديدة تختلف جيناتها كل الاختلاف عن جينات الخلية التي انقلبت على القيادة السابقة للجيش.
وبالتالي تصبح جسما غريبا بالنسبة لها. فالنتيجة الحتمية هي إما أن تتخلص خلية الجيش الجديدة على الخلية المتمردة عسكريا أو أن تهرب.
الاحتمال الثاني: وهو الذي يبدو الآن، وهو أنه ليس ثمة هيئة لخلية الجيش الحالية، وإنما هي عبارة عن خلية تتحكم فيها مجموعة من الشخصيات على رأسها الفريق البرهان وبالتالي الخطة التي يصدرها الفريق البرهان هي نفسها الخطة التي تنفذ، وهنا لن يستطيع الجيش أن يغير خليته، وبالتالي لن يتمكن من حسم الحرب؛ لتشابه الخليتين ولتداخلهما ببعضهما البعض .
ووفقا لهذا التحليل، فإن كلا الخليتين (المنقلبة والمنقلب عليها) سوف تستمران على الاحتمال الثاني، وهو الاحتمال الذي لا يعمل على حسم الحرب بأي شكل من الأشكال، وذلك لسبب بسيط هو تشابه الخليتين.
فذات الجينات التي تحرك خلية الجيش الحالية هي ذاتها الجينات التي تحرك الخلية التي انقلبت عليه.
فإن كانت الخلية التي انقلبت عليه بلا وطنية، فكذلك خلية الجيش الحالية بقيادة البرهان بلا وطنية، وإلا من أين جاء كل الانسجام بينهما قبل الحرب؟
وإن كانت الخلية التي انقلبت عليه همها الاستيلاء على البلد تحت أي ظرف كان، فكذلك خلية الجيش الحالية همها الاستيلاء على البلد تحت أي ظرف كان لتطابق جيناتهما.
فإن كانت الجينات التي انقلبت على الجيش همها الثروة والسلطة بأي وسيلة، فكذلك خلية الجيش الحالية همها السلطة والثروة؛ لاتفاقهما على هذين الهدفين قبل الحرب.
فقد وضح جليا بعد طول أمد الحرب أن ذات الكهرباء التي تحملها خلية الجيش الحالية هي ذات الكهرباء التي تحملها الخلية التي تمردت عليها، فكلما التقتا زاد الاشتعال.
كل الاختلاف بين الخليتين هي أن الخلية التي يمثلها الجيش تستغل الجيش، وأن الخلية التي انقلبت عليها تستغل فترة تأسيسها وإمكانياتها قبل الحرب.
ما عدا ذلك فالاهداف والغايات متطابقة.
بينما إذا تحقق الاحتمال الأول، والذي يقضي بإزاحة الخلية الحالية للجيش وإبدالها بخلية جديدة وطنية، بأبدالها بخلية جديدة همها الجيش. بإبدالها بخلية جديدة لا تتعلق بكل الحبال، وإنما لها حبل خاص بها متين وقوي حينئذ لن يكون أمام الخلية التي انقلبت على الخلية السابقة سوى الاستسلام أو الهروب.
فالاستسلام يعني انصياعها للخلية الجديدة التي كونها القائد الجديد، فلا مجال أن تتطرق للخيانة التي كانت تجد لها سبيلا مع الخلية السابقة.
كما أنها لن تجد مكانا للغدر والخوف وعدم الضمير.
كما أن كل الألاعيب والكذب التي كانت تصدر من الخلية السابقة، والتي كانت تعمل على تشجيعها وعلى تحميسها في الاعتداء والانقلاب عليها ستجدها مع الخلية الجديدة للجيش قد اختفت.
هذه الألاعيب والكذب التي كانت ملازمة لخلية الجيش السابقة والتي كانت تتقوى بها الخلية المتمردة، فلن تجد أمامها سوى الاستسلام لخلية الجيش الجديدة أو الهروب.
إن استمرار الحرب اليوم في السودان تدعمه الصفات المشتركة لخليتي الحرب.
كلا الخليتين تحملان ذات الجينات، فمن خلالهما لا أمل من حسم المعركة.
وبما أنه من الاستحالة بمكان تجديد الخلية التي انقلبت على الجيش، فلا يوجد حل غير تجديد خلية الجيش الحالية.
لا بد من إبدال العناصر الموجودة في خلية الجيش الحالية.
فهي ذات العناصر الموجودة في الخلية التي انقلبت عليها بدليل انسجامهما طيلة الفترة السابقة للحرب.
فاصطدامهما يعني المزيد من إشعال الحرب.
خلية الجيش الجديدة ستكون بمثابة الماء التي تطفئ نار الخلية التي انقلبت على الجيش.
إذن وقف الحرب يعني تغيير جينات خلية الجيش الحالية وبالتالي إما أن تنهار الخلية التي انقلبت عليه أو تهرب؛ لاختلاف جينات الجيش الجديدة عن جيناتها.
لا للحرب بين جينات الجيش الحالية، وبين جينات الخلية التي اتقلبت عليه؛ لتطابق جيناتهما.
وإن استمرار الحرب بينهما لا يعني سوى مزيد من الحرب، وسوى مزيد من الاشتعال، وسوى مزيد من الدمار.