المقالات

محجوب مدني محجوب يكتب:


إن أريد إلا الإصلاح.
الفرق بين المشير سوار الذهب وبين الفريق البرهان.
يبدو أن رغبة الاستيلاء على السلطة لا ترتبط بالفرص المواتية بقدر ما ترتبط بالشخصية التي توضع في مثل هذه المواقف.
فالمشير سوار الذهب حينما حل مكان الرئيس جعفر نميري بعد سقوط نظام مايو لم تكن فترته الانتقالية معقدة مثل اليوم إذ كان بإمكان الرجل وقتها أن يعلن قيادته للجيش، ويشكل حكومته ويضرب بالخيار الديمقراطي عرض الحائط، فالقوى الثورية حينها لم تكن بذات تعقيدات قوى اليوم.
السبب الوحيد الذي لم يجعل المشير سوار الذهب يقدم إلى هذه الخطوة هي زهد الرجل في الحكم.
إذ أن الحال وقتها لم يكن عصيا من أن يحل الرجل مكان الرئيس نميري.
ولم تكن الصراعات على أشدها كما اليوم.
ولكن بالرغم من ذلك سلم الرجل حكومته الانتقالية لحكومة منتخبة بكل رضا وقبول.
اليوم ووسط كل هذه التعقيدات التي ترفض تماما عودة النظام البائد.
هذا االنظام الذي ارتبط داخليا بأنه نظام فاسد بدرجة امتياز.
كما ارتبط خارجيا بأنه نظام ثيوقراطي يربط الدين بالدولة.
فهذه التجربة علقت في المجموع العالمي بأنها تعني الإرهاب كما تعني رعاية المتطرفين.
فلم تعد توجد جهة داخلية أو خارجية تسمح بعودة النظام البائد وهي التي لم تصدق بأنها تخلصت منه اللهم إلا أتباعه ورموزه.
وسط هذا الرفض الكامل للنظام البائد من جميع ألوان طيف المشارب السياسية إلا أنها اتفقت في رفضها للنظام البائد.
وكذلك داخليا إذ كانت الجينات التي تكونت منها ثورة ديسمبر هي رفض السياسة الإقصائية والعنصرية والآيديولوجية التي ارتبطت بالنظام البائد، وقبل ذلك إحاطة النظام البائد ثروات ومقدرات البلد بدائرة سميكة تدخل كل من يدور في فلكها، وتلفظ كل من لا يتواءم وينسجم معها.
لدرجة أنه وصل هذا الرفض إلى رفض كل من ينتسب لهذا النظام البائد دون النظر إلى موقفه أو سيرته.
هذا فضلا عن ارتباط الجيش بهذا النظام البائد حيث عمل النظام طيلة فترة حكمه على أن يجعل هذا الجيش جزءا من نظامه.
بعد كل هذه التعقيدات التي تجعل كل شخص يوضع في الظرف الذي تلى سقوط الإنقاذ بأن يزهد في الحكم.
تجعل كل شخص ينظر إلى التركة التي خلفها نظام الإنقاذ يزهد في أن يحل محله.
بالرغم من كل ذلك حدث العكس بالنسبة للفريق البرهان.
فها هو ذا يثبت ويدلل في كل منعطف من منعطفات المرحلة الانتقالية وفي كل لحظة وحين أن الرجل لا هم له سوى توظيف كل ظرف وكل حال لأمر واحد لا يوجد غيره ألا وهو استيلاء الرجل على السلطة.
سواء كان هذا الاستيلاء ممكنا أو مستحيلا.
سواء كان هذا الاستيلاء ثمنه الثورة أوثمنه الثوار.
سواء كان هذا الاستيلاء ثمنه الحرب أو ثمنه السلم.
كل هذا لا يهم المهم هو الاستيلاء على السلطة.
كل نتيجة وكل حدث يهون عند الرجل من أجل تحقيق هذه الرغبة.
إن كانت كل الظروف تقف ضده لا يهم المهم  هو التخطيط لهذه الغاية.
فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة بأن الرجل دمر كل أرضية يمكن أن يقف عليها الشعب السوداني؛ ليستعيد من خلالها عافيته، وفي ذات الوقت لم يتمكن الرجل من نيل مراده.
برغبة هذا الرجل الجامحة في الاستيلاء على السلطة رغم كل الظروف المعقدة جعل الشعب السوداني يقف في مفترق طرق.
جعله عاجزا عن تأسيس حكم ديمقراطي.
جعله عاجزا عن التخلص من أذيال النظام البائد.
جعله عاجزا من أن يكون منسجما مع مؤسسته العسكرية.
جعله عاجزا من أن يميز بين من يسعى لتأسيس حكم مدني وبين من يسعى لتأسيس حكم شخصي.
فبسبب رغبة الفريق البرهان في الاستيلاء على الحكم أصاب الشلل كل أجزاء الوطن وبلا استثناء.
فحينما يكون الشارع على مشارف إغلاق نافذة النظام البائد يعمل هو على عدم إغلاق هذه النافذة لا لشيء إلا من أجل خلق توازن يجعله متحكما في مجريات الأحداث.
وحينما تقف حكومة الثورة عاجزة من أن تعين كفاءات وطنية.
وعاجزة من أن تحفظ للناس أمنهم.
عاجزة من أن تكبح جماح غلاء الأسعار.
فبدلا من أن يرفض ذلك يفعل العكس حيث يعمل على تقريب رموز هذه الحكومة العاجزة ويعمل على عقد اتفاقات ومعاهدات معها لا لشيء إلا ليبعد قوى الشارع التي تنادي بالحكم المدني من جهة ويعمل على تمكين تلك القوى من جهة من أجل أن يستغلهم.
هذه الثغرات التي تظهر وتختفي خلال الفترة الانتقالية فبدلا من العمل على سدها وملئها يعمل الفريق البرهان على إثباتها واتساعها لا لشيء إلا  من أجل أن يحقق رغبته في الاستيلاء على الحكم.
هذه السياسة التي ظلت تصب في تجاه واحد هي التي عملت على إشعال الحرب كأمر طبيعي وحتمي.
لا شيء خلال هذه الحرب يعمل على تحريك الأحداث أو تثبيتها سوى رغبة الفريق البرهان هذه.
فإن كانت الفترة الانتقالية لثورة أبريل انتقلت بكل سلاسة وسهولة لحكومة منتخبة بسبب واحد فقط هو زهد المشير سوار الذهب في الحكم
فإن الفترة الانتقالية لثورة ديسمبر شابها كل هذا التعقيد لدرجة أنه أوصلها لهذه المحرقة بسبب واحد فقط هو تعلق الفريق البرهان لدرجة الجنون في السلطة.

 

1669117478_300_العدل-والمساواة-لسنا-طرفا-في-الحوار-السري-والجهري-بين-المكون.webp محجوب مدني محجوب يكتب:





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى