محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح.
مدمنو (اللايفات) هم ومدمنو الخمر سواء.
ما أكثر الظواهر السيئة التي انعكست على الشعب السوداني أثناء هذه الحرب!
ولعل من أبرزها إدمان الاستماع إلى محللي الحرب عبر ما يطلق عليه (لايف) ومن باب الدعاية كثرت عبارة (انشر هذا اللايف).
وأصبح أصحاب هذه (اللايفات) أشهر من القادة العسكريين الذين يخوضون المعركة.
إن الاستماع إلى محللي الحرب بهذه الكثرة يدل على أن الشعب السوداني دخل مرحلة الإدمان على استماع ومشاهدة (اللايفات).
مرحلة الإدمان على استماع ومشاهدة (اللايفات) تجعله مرتاحا من أزمة الضعف التي يشعر بها.
مرحلة الإدمان على (اللايفات) تجعله منتصرا على عدوه.
مرحلة الإدمان على (اللايفات) تجعله يشمت من عدوه.
مرحلة الإدمان على (اللايفات) تجعله يصدق كل ما يعتقده.
مثله في ذلك مثل شارب الخمر، فبمجرد ما تتحكم الخمر من شاربها ينسى همومه ينسى انهزامه ينسى تفوق عدوه عليه ينسى الواقع.
يشعر شارب الخمر بأنه سلطان زمانه.
تبعد عنه نشوة السكر أي شعور باليأس والإحباط.
تبعد عنه أي شعور بالانهزام والانكسار.
فكل ما راوده هذا الشعور يكثر من شرب الخمر إلى أن يصبح مدمنا.
(اللايفات) كذلك تحوم حول الناس هذه الأيام ويستخدمونها بهذا الإسراف ما هي إلا دليل على الإحباط.
ما هي إلا دليل على عدم وجود نتيجة مفرحة على الواقع.
ما هي إلا دليل على أن هذه الحرب ليس لها أي معنى ولا مغزى.
يلجا الناس إلى الاستماع إلى هذه (اللايفات) من أجل أن يشعروا بقيمة الحرب.
لأجل أن يشعروا بنشوة النصر والتفوق على عدوهم.
إن كانت ثمة نصر حقيقي لما اهتم الناس ب(اللايفات).
لما اهتم الناس بالاستماع إلى تحليلات لا تنقل لهم الواقع بقدر ما تزين لهم هذا الواقع باللون الذي يحبون.
إن كانت ثمة حرب حقيقية للتفت الناس إلى وقائع حقيقية.
إن كانت ثمة نصر حقيقي للتفت الناس إلى ثمرته.
إن كانت ثمة قائد صادق للتفت الناس إلى إجراءاته وخططه.
هذا السوق الرائج لأصحاب (اللايفات) لا لشيء إلا لعبثية ما يحدث على الواقع. فبدلا من استحقار الواقع ومواجهته يلجأ الناس إلى حالة تجعلهم يتخدرون. تجعلهم لا يواجهون هذا الواقع المرير المحبط المنهزم.
فكما أن السكران يهرب بسكره من واقعه.
فكذلك أضحى المواطن للأسف الشديد يحتضن جهازه يتنقل به من (لايف) إلى (لايف) لا لشيء إلا ليهربوا به من هذا الواقع المرير.