محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: الشعب السوداني بين آماله وآلامه
اللهم أزل عن هذا الشعب آلامه التي أنهكته.
اللهم أبرم له أمر رشد يعز فيه أهل الخير ويهدى فيه أهل الشر.
لم يعد أمام هذا الشعب سوى التضرع لله عز وجل أن يزيل عنه مصيبتي الخوف والجوع.
لم يعد أمام هذا الشعب سوى الانتظار.
فالجيش صار هو سيد الموقف أثناء الحرب وبعد انتهائها.
فإن خلص الجيش الشعب من الحرب، فكذلك سينتظر ماذا سيفعل به.
هل سيستخدمه من أجل أن يتحكم هو على شأن البلاد؟
هذه الرغبة التي لم تفارقه لحظة رغم كل الشوارع التي تنادي برجوعه إلى ثكناته؟
أم سيفرد الجيش يده بيضاء للشعب السوداني من أجل البناء والتعمير؟
لا حيلة لهذا الشعب مع المكون العسكري بعد هذه الحرب.
لا يملك معه سوى الانتظار.
فهو خارج من ويلات حرب لم يتعامل معها سوى بالهروب منها أوالنزوح.
فنجا من نجا منها وهلك من هلك منها.
وأخذ ينتظر ماذا سيفعل الله به.
لم يبد مقاومة.
لم يبد مواجهة.
ترك الأمر لإرادة الله ثم للجيش.
إلا أن ما لم يغب عن الشعب إطلاقا هو إدراكه لأسباب هذه الحرب.
ما لم يغب عن الشعب إطلاقا هو إدراكه أن نهاية هذه الحرب إما أن تكون نصرا للجيش والشعب معا، وإما أن تكون نصرا للجيش فقط.
فالجيش والشعب كلاهما يدرك رغبة الشعب السوداني.
فإما أن يتآلف الجيش مع الشعب؛ لتحقيق رغبته بعد اختفاء شبح الحرب.
وإما أن يضغط الجيش على هذا الشعب؛ ليجعله تحت سلطانه وحكمه.
ثمة أمرين لا يقدر عليهما الجيش.
الأول: تغيير قناعات هذا الشعب سواء قام الجيش باستغلاله أو قام بالتعاون معه في إدارة شؤون الدولة.
الثاني: تغيير الحقائق التي أدت إلى اندلاع الحرب.
فالشعب يدرك كل اللعبة منذ بدايتها كما يدرك جيدا ماذا يريد.
فقط الأمر الذي لم يستطع أن يتحكم فيه، وصار يتعامل معه معاملة المنتظر هو اندلاع الحرب، وماذا سيفعل معه الجيش بعدها.
هل سيقول الجيش لأفراد الشعب بعد أن تضع الحرب أوزارها: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟
أم سيقول له ها قد أزلت الحرب وقد صرتم في يدي؟
كل الدلائل تشير إلى أن الجيش سيتبنى القول الثاني لا الأول.
لأن من يتبنى القول الأول لا بد أن يكون أمينا وصادقا.
لا بد أن يكون رحيما.
لا بد أن يكون همه وغايته الحق وأهل الحق.
لا بد أن يكون قلبه خاليا من الحقد والانتقام.
أما من يتبنى القول الثاني، فمن نظراته فقط يعرف ماذا يريد.
يعرفه ماذا يريد قبل الحرب وأثناءها.
يعرفه يريد أن يكون حاكما، فكيف بعد أن أصبح الأمر في يده؟
من يتبني القول الثاني يعرف من مواقفه ومراوغته وكذبه، فكيف بعد أن صار الأمر بيده؟
لا تتوقعوا يا أهل السودان إطلاقا أن يقول لكم الفريق البرهان بعد عودته من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي سيعقد في العشرين من شهر ديسمبر الجاري.
اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فهذا القول لا يشبهه.
اللهم إلا إن صار (فريقا) آخر.
لا تتوقعوا إطلاقا أن يقول لكم:
هذه هي دولتكم فاختاروا من تشاؤون؛ ليحكمكم.
لا تتوقعوا إطلاقا بعد أن قابلتم الحرب بالنزوح والهروب أن يقول لكم هيا فلنرجع ولنعيد الخرطوم لسابق عهدها.
للأسف الشديد ما يفعله هو أنه سيعين عليكم ما تكرهون؛ لأن هذا هو غرضه منذ البداية وهو البحث عن سلطته لا عن سلطتكم.
سيفرض عليكم حكمه؛ لأن هذا غرضه منذ البداية.
فإما أن تستسلموا لرغبات الرجل كما استسلمتم للحرب.
وهذا هو المتوقع.
وإما أن تثوروا في وجه الرجل وأنتم منهكون متعبون حزينون بما خلفته الحرب.
وهذا هو الاحتمال الأضعف.
وترجع حليمة لعادتها القديمة إلا أن رجوعها هذه المرة في غاية القسوة والألم.
رجوع على أنقاض الحرب.
رجوع لحكم عسكري شاهرا ومعلنا حكمه بيده ذلك بسبب أنه هو من أخمد الحرب، وبالتالي هو من ستعود له البلد لقمة سائغة.
فإلى أن يجمع الشعب قواه للمرة الخامسة؛ ليعلن ثورته في وجه حكم العسكر.
فلا يعلم متى يتم ذلك؟
بعد جيل أو جيلين أو ثلاثة أو …
والساقية لسه مدورة.