محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح:
لا يخفى على أحد أن الأب هو المسؤول عن توجيه أهل بيته وإرشادهم.
أي نعم هذا الأب قد يحتاج إلى دعم هنا وهناك كما قد يحتاج إلى تطوير في طريقة تعامله مع أهل بيته.
أما المحك والعمود الأساسي الذي تدور حوله هذه العملية التربوية للأسرة هو أن يكون لهذا الأب قراره.
هو أن يكون قادرا على أن ينفذ قراره.
حينئذ يمكن أن تحافظ هذه الأسرة على كيانها.
أما إذا كان قرار الأسرة بيد شخص آخر غير الأب، فحينئذ لن يكون لهذه الأسرة استقرار.
يزيد وينقص عدم استقرار الأسرة بمدى فقدانها لقرارها.
كذلك بالنسبة للدولة تضعف وتقوى وفقا لقرارها، فإن كان قرارها بيد أمتها وشعبها، فحينئذ سوف تنعم بالاستقرار.
أما إن كان قرارها ومصيرها مرتهن لغيرها، فحينئذ تضعف بل وقد تتلاشى.
أزمتنا في السودان للأسف لم تكن سوى أزمة اتخاذ القرار.
أزمتنا منذ البداية ليست في الملاذ الآمن.
مشكلتنا ليست في نظام حكم يرتب بيتنا الداخلي.
أزمتنا لم تكن في فقر موارد بشرية أو طبيعية
مشكلتنا كلها تتخلص في اتخاذ القرار.
نحن للأسف لا نملك حق اتخاذ قرارنا.
كيف نتمكن من ذلك؟
هذه هي الأزمة.
هذه هي الأزمة التي لعب عليها الفريق البرهان منذ اندلاع ثورة ١٩ ديسمبر.
لعبت عوامل كثيرة جعلت الشعب السوداني قراره ليس بيده.
* منها تركيبته الطائفية.
مشايخ ما أنزل الله بهم من سلطان يتحكمون في قرار السودان منذ الاستقلال بل وقبله.
فالحزبان الطائفان الكبيران في السودان وحسب طبيعة تركبيتهما حيث يعتمدان على ترسيخ مبدأ الزعامة المتوارثة من جهة، وعلى ترسيخ مبدأ الأتباع والمريدين من جهة أخرى.
هذا الأسلوب هو الذي عمق من ضعف القرار لدى الشعب السوداني، فهو في كل مرحلة من مراحل حياته المصيرية ينتظر أن يتخذ له القرار حيث نشأ وتربى على ذلك.
* كما أن القرار لدى قضايا السودان ظل مرتبطا بأصحاب رؤوس الأموال، وهؤلاء كل همهم المحافظة على رؤوس أموالهم سواء جاء القرار من عندهم أو من عند غيرهم وبالتالي سهل السيطرة عليهم واستغلالهم.
* كما أن القرار في الشأن السوداني ارتبط بمن ينال رتبة عالية في الجيش.
وهذه الرتب العالية يكفي أن تجعلها تحيد إلى قرارك هي أن تعمل على احتوائها، فمجرد ما كانت الرتب العليا منتسبة إليك، فقد امتلكت قرار الجيش بغض النظر عن طبيعة هذا القرار.
* كما أن من امتلك ناصية المصالح الخارجية، فهو كذلك امتلك ناصية القرار السوداني.
هذه العوامل الأربعة هي التي ساهمت بقدر كبير في فقدان الشعب السوداني لقراره السياسي وبالتالي وجد نفسه في كل مرة رهين أمام هذه العوامل ولا يملك سوى أن يتفرج.
فما السبيل للتخلص من هذه العوامل؟
ما السبيل لردع هذه العوامل؟
ما السبيل لإجبار هذه العوامل على أن تنفذ المشروع الذي يصب في مصلحة الشعب؟.
ذلك المشروع الذي لا يصب في مصلحة الطائفية.
ذلك المشروع الذي لا يصب في مصلحة أصحاب رؤوس الأموال.
ذلك المشروع الذي لا يصب في مصلحة من يسيطر على الجيش.
ذلك المشروع الذي لا يصب في مصلحة العالم الخارجي بكل أنواعه.
إذ أن المشروع الوطني موجود، وفي متناول يد الجميع لكن الأزمة ليست في وجود المشروع، وإنما الأزمة في اتخاذ القرار الذي يطبق ليحيل المشروع إلى واقع.
تشكلت عدة عوامل على مر تاريخ السودان الحديث جعلت الشعب السوداني رهين لتركيبة سياسية معينة هي التي توارثت العمل السياسي جيلا بعد جيل.
تحمل هذه التركيبة ذات الجينات وذات الصفات التي لا علاقة لها بالصواب والطريق الصحيح.
هذه هي الأزمة التي يعاني منها السودان ولا زال.
تركيبة سياسية تعمل تلقائيا للتخلص من الرأي السديد على أن تحافظ على الرأي البعيد كل البعد عن أي خيار وطني.
فإبان المرحلة الانتقالية لثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م نجد أن فقدان الشعب السوداني لقراره قد تجلى في عدة محاور منها:
* تمكنت هذه التركيبة السياسية المتحكمة في قرار الشعب السوداني من تكوين وثيقة دستورية جعلتها هي من تحكم.
لم يخرج الشعب السوداني منها سوى أنها كانت وثيقة محاصصات، وبالتالي لم تمثل هذه الوثيقة سوى نفسها.
مما يعني أن الشعب السوداني فاقد لقراره.
* تمكنت هذه التركيبة من انقلابات عسكرية حاضرة وسابقة جعلتها هي من تحكم مما يعني أن هذا الشعب السوداني فاقد لقراره.
* تمكنت هذه التركيبة على أن تجعل الدعم السريع يستولي على ثروة البلد مما يعني أن هذا الشعب السوداني فاقد لقراره.
* تمكنت هذه التركيبة من جعل الخارج يطمع في ثروات البلد وفي استغلالها مما يعني أن هذا الشعب السوداني فاقد لقراره.
* تمكنت هذه التركيبة من إشعال الحرب في السودان، وما زال الشعب السودان عاجز عن حسم هذه الحرب بالرغم من أن الكل متضرر منها مما يعني أن هذا الشعب السوداني فاقد لقراره.
هنا الأزمة.
وهي أن غرفة اتخاذ القرار السوداني فارغة تماما لا يوجد شخص واحد بداخلها.
كل قرارات الشعب المصيرية تأتي من غرف أخرى لا علاقة لها بالخيار الوطني.
تفعيل هذه الغرفة هو الإشكال.
أما المشاريع فهي جاهزة ومتوفرة ولا ينقصها شيء.
فما أعظم هذه المشاريع!
وما أنبلها!
وما أصوبها!
إلا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ والتطبيق بسبب فقدان هذا الشعب لقراره السياسي.
كيف نمتلك قرارنا؟.
فلنبحث عن ذلك.