محجوب مدني: (اعرف الحق تعرف أهله.)
محجوب مدني محجوب
هذه القاعدة المعروفة في اتباع الحق: (اعرف الحق تعرف أهله) هل بالإمكان عكسها؟
بمعنى هل يمكن أن يقال اعرف أهل الحق تعرف الحق؟
نسب الله سبحانه الحق إليه، فأهل الحق يختبرهم الله سبحانه، فإن نجحوا في الاختبار، فهذا يعني أنهم ينتسبون إليه، وإن هم سقطوا فيه، فهذا يعني أنهم فشلوا في انتسابهم للحق، وبما أن الإنسان عرضة للاختبار، وعرضة لمدى تمسكه به، فبسبب هذه الحقيقة لا يمكن الاقتداء به في اتباع الحق.
إذ لا يعرف الإنسان في أي مرحلة هو متبع مراحل الحق؟
هل هو في مرحلة البحث عن الحق؟
كما قال الله على لسان إبراهيم عليه السلام (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي…)سورة الأنعام آية رقم(٧٦)،
فهنا لا يمكن الاقتداء بإبراهيم عليه السلام فهو لم يكتشف بعد الإله الحقيقي.
أم هو في مرحلة اليقين بالإله الحقيقي؟ كما قال الله على لسان إبراهيم عليه السلام ( إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) سورة الأنعام آية رقم(٧٩)
أم هو في مرحلة الاختبار كما قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى…) سورة الصافات آية رقم(١٠٢)،
ففي الثلاث مراحل التي مر بها إبراهيم عليه السلام لا بد من يتبع إبراهيم عليه السلام أن يكون مدركا للحق.
أما من ينظر لشخص إبراهيم عليه السلام فقط، ويقتفي أثره باعتبار أنه الرجل الصالح الذي يعبر عن الحق تماما، وبالتالي ما عليه إلا أن يتبعه، فحينئذ سيقع من يتبع إبراهيم عليه السلام في الشك في المرحلة التي كان يبحث فيها إبراهيم عليه السلام عن الحق، فلو قبضت روح المتبع في هذه المرحلة فسوف يموت مشركا.
وإن قبضت روح المتبع في مرحلة يقين إبراهيم عليه السلام، فسوف يموت قبل أن يختبره الله في إيمانه مثل ما اختبر إبراهيم عليه السلام في إيمانه.
لا أحد يستطيع أن يتبع أحدا من البشر في جميع أحواله في حالة ضعفه وفي حالة قوته وفي حالة اختباره وفي حالة نجاحه أو سقوطه في الاختبار.
لذلك جاء في الأثر:
أن الحق يؤخذ من الأموات لا الأحياء؛ لأن الحي غير مؤتمن على الفتنة، فقد يكون متبعا للحق ويفتن فيه، فيسقط في الاختبار وعليه فاتباعه قد يكون في مرحلة فشله في الاختبار أو في مرحلة شكه.
ليس هناك من ضمان وتأكيد من أن أحدا في مرحلة اليقين حينما دعا الناس للحق إلا الأنبياء المعصومون عليهم السلام وعلى رسولنا محمد صلوات الله عليه وسلم أفضل الصلاة والسلام.
فالشاهد هنا هو حينما يعرض الحق لا يعرض من خلال الأشخاص إطلاقا، وإنما يعرض مجردا من دون ربطه بأي شخص يربط بكتاب الله العزيز وبسنة نبينا محد صلى الله عليه وسلم وبالصحابة رضوان الله عليهم وبمن تبعهم ومات على ملتهم.
ومن هنا أصبح عكس الحقيقة التي تقول: اعرف الحق تعرف أهله غير ممكن.
فلا يقال: اعرف أهل الحق تعرف الحق.
لأن أهل الحق هؤلاء بما أنهم غير أنبياء، فهم غير مؤتمنين في انتسابهم للحق، فقد يكونون في مرحلة الشك، وقد يكونون في مرحلة اليقين، وقد يكونون في مرحلة الاختبار، وهذه المراحل الثلاث تحتاج كل مرحلة منها إلى تعامل مختلف لا ينفع معها اتباع أهل الحق فيها اتباع القزة بالقزة.
فمرحلة الشك تحتاج إلى بحث، ومرحلة اليقين تحتاج إلى اعتقاد، ومرحلة الاختبار تحتاج إلى صبر.
كل هذه المراحل تحتاج بالضرورة لمعرفة الحق لا معرفة أهله.
الانتماء للجماعات الإسلامية لا بد لكل منتم إليها أن يكون على علم بالحق حتى يعرف أنها تسير في اتجاهه أم لا.
أما إذا كان مجرد منتسب تابع إليها، فسوف يبتلي ببلواتها وسوف تصيبه أخطاؤها وانحرافاتها؛ لأن الله سوف يطبق عليها جميع مراحل الحق من شك ومن يقين ومن اختبار، فالناجي من هذه الجماعات هو من عرف الحق، وظل متمسكا به إلى أن مات، ولن يستطيع أن يصل إلى ذلك إلا الموفق، وإلا المتبع للحق لا المتبع للجماعة فقط.
فالمتبع للجماعة فقط قد تختلط عليه المراحل، ولا يعرف في أي مرحلة هو، فقد يكون متمسكا جدا برأيه إزاء مرحلة البحث لا مرحلة اليقين، وقد يكون في حالة ضعف وهجوم شرس من أعدائه يحتاج معهم لصبر عليهم لا لهجومهم حتى يستجمع قواه.
إن حقيقة (اعرف الحق تعرف أهله) حقيقة لا يمكن استبدالها أو عكسها؛ لأن الحق سمته واحدة لا تتغير ولا تتبدل أما أهله فهم في حالة تغير وتبدل باستمرار.