مآلات المشهد السياسي على قرارات البرهان بخروج المؤسسة العسكرية
تقرير: حافظ كبير
جراء حالة من انسداد الأفق السياسي، قرر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رمي الكرة في ملعب القوى السياسية والنأي بالقوات المسلحة عن المعترك السياسي، معلناً عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات الجارية التي تسهلها الآلية الثلاثية، وذلك لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية والمكونات الوطنية الأخرى للجلوس وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة تتولى إكمال مطلوبات الفترة الانتقالية، قبل تتوالى ردود الأفعال حول هذا التطور الكبير. وفيما عد البعض القرار خطوة ايجابية لاعتبار أن مطلب عودة القوات المسلحة لثكناتها ظل حاضراً في شعارات ومطالب الشارع وقوى الحرية والتغيير التي ظلت تؤكد على عدم الحوار والتفاوض والشراكة مع المكون العسكري، اعتبر بالمقابل البعض الآخر وعلى رأسهم قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وتجمع المهنيين وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، الأمر محاولة لمزيدٍ من السيطرة وفرض الوصاية، وليس خروجاً عن المشهد السياسي كما ذكر خطاب البرهان.
سانحة جديدة للقوى السياسية
ولعل أول الأحزاب التي رحبت واعتبرت الخطوة سانحة جديدة وجيدة للقوى السياسية حتى تتوافق، الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني، واعتبر الحزب في بيان له أن قرار البرهان سانحة وفرصة للقوى السياسية أن تنهي مرحلة وتبدأ مرحلة جديدة يستكمل بها الانتقال الديمقراطي عبر وفاق وطني شامل، وجدد الحزب دعوته للتمسك بالحوار السوداني السوداني برعاية وتيسير الآلية الثلاثية المشتركة كطريق آمن وسريع للخروج من الأزمة، وتابع الحزب قائلاً: (يرحب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقرارات القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق ركن عبد الفتاح البرهان). وقال الحزب إنه بخروج المكون العسكري كطرف في الحوار يتيح الفرصة كاملة للمدنيين فيما بينهم لينتجوا حلولاً تفضي إلى تكوين حكومة كفاءات مدنية كاملة.
نقاط إيجابية وأخرى غامضة
ولم تذهب بعيداً قوى الحرية والتغيير مجموعة التوافق الوطني عن الترحيب، لكنها تحفظت ورأت أن الخطاب به نقاط ايجابية وأخرى غامضة، وأكد الأمين العام للتوافق الوطني مبارك أردول في مؤتمر صحفي أمس عقب اجتماع الهيئة القيادية للتوافق، أن الخطاب به نقاط ايجابية وأخرى غامضة تحتاج لاستجلاء، وأضاف أنهم مع الحوار حتى الوصول للتوافق الوطني الذي سيكون المسار الذي يحكم الفترة الانتقالية.
وأكد أردول دعمهم الآلية الثلاثية المشتركة، داعياً القوى السياسية للانتظام في الحوار والتوافق لتكوين حكومة انتقالية، وطالب الجماهير بأن تلتف حول الحوار وأن تضغط على القوى السياسية للقبول به. وأوضح أردول أنهم سيواصلون اتصالاتهم مع كل القوى السياسية بما فيها المجلس المركزى للحرية والتغيير للاتفاق حول نقاط الخلاف ومعالجتها، وتابع قائلاً: (سنلتقي بأصدقاء السودان من أجل حثهم على مساعدة السودانيين للاتفاق، وسندخل الحوار بقلب مفتوح وبدون أية شروط مسبقة).
وطالب الميثاق الوطني القوى السياسية بتنقية الاجواء الملائمة للحوار وترك خطاب الكراهية، وأكد أن التوافق الوطني الذي تشكله أغلبية القوى السياسية سيكون هو المسار الذي يحكم الفترة الانتقالية ويحضر للانتخابات. وجدد التحالف تأكيده على ضرورة الالتزام باتفاقية السلام الشامل وتنفيذها.
تجديد الرفض والتصعيد
ورفضت الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي قرارات البرهان، واعتبرتها مناورة مكشوفة وتراجعاً تكتيكياً يقبل ظاهرياً بمبدأ عودة الجيش للثكنات مع إفراغ هذا المبدأ من محتواه، وأضافت في مؤتمر صحفي أمس قائلة: (هذا التراجع التكتيكي جاء نتيجة للمقاومة الجماهيرية المتواصلة التي بلغت أشدها في الثلاثين من يونيو، ليثبت بأن قوى الثورة تتقدم يوماً بعد يوم وأن الانقلاب يتراجع ويتقهقر ويُهزم يومياً). وقال رئيس لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية بقوى الحرية والتغيير، المهندس عمر الدقير، إن خطاب البرهان تجاوز جوهر الازمة في انقلاب (٢٥) أكتوبر، وحصر الازمة في المدنيين واعتبر ذلك تزييفاً للحقائق.
وتابعت الحرية والتغيير قائلة: (عودة الجيش للثكنات لا تتم بفرض وصايةٍ من قائده على شكل الحكومة المدنية وآليات تشكيلها، ولا تُسقط قضايا الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود لجيش واحد مهني وقومي تدمج فيه قوات الدعم السريع والحركات المسلحة وفق إطار زمني واجراءات معلومة، وخروج المؤسسة العسكرية والأمنية من النشاط الاقتصادي والسياسي، واقتصار مهامها على الدفاع عن أمن البلاد تحت القيادة المدنية). وأضافت أن جوهر الأزمة الحالية هو انقلاب (٢٥) أكتوبر ٢٠٢١م وما تبعه من تدهور في كافة مناحي الحياة في البلاد، وأن محاولة السلطة الانقلابية لتصوير الأزمة كصراع بين المدنيين ما هي إلا ذَر للرماد في العيون، كما أن تعميم تعبير المدنيين يخلط بين قوى الثورة التي قاومت الانقلاب وتلك الأطراف المدنية التي دعمت الانقلاب أو كانت ضمن منظومة النظام البائد.
وزادت قائلة: (إن التعريف الصحيح للأزمة يقود للحل الصحيح، لذا فإن الحل يبدأ بتنحي السلطة الانقلابية عن سدة السلطة، ومن ثم تشكيل قوى الثورة سلطة مدنية انتقالية كاملة وفق إعلان دستوري يحدد هياكل الانتقال وقضاياه بما فيها قضية دور المؤسسة العسكرية ومهامها، فالأمر ليس محض تشكيل حكومة تنفيذية، بل هو حزمة متكاملة تشمل قضايا الإصلاح الأمني والعسكري والجيش الواحد المهني القومي، والعدالة التي تكشف الجرائم وتحاسب مقترفيها، وقضايا الاقتصاد ومعاش الناس وتفكيك نظام (٣٠) يونيو ١٩٨٩م وبناء واستكمال السلام، وتمهيد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يحكمه).
حل جذري
رفضت حركة جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور خطاب البرهان واعتبرته مخادعاً، وقالت إن السبيل الوحيد للعبور بالسودان نحو التغيير الجذري الشامل والتحول المدني الديمقراطي هو إسقاط الانقلاب وكافة ما ترتب على شراكة الدم والعودة الى منصة تأسيس الثورة، وأن يسلم العسكر السلطة للشعب دون قيد أو شرط، وتكوين حكومة انتقالية مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة مشهود لها بمقاومة النظام البائد، ومن ثم عقد مؤتمر حوار (سوداني سوداني) لمخاطبة جذور الأزمة التأريخية تشارك فيه كافة مكونات الثورة ما عدا النظام البائد وواجهاته والانقلابيين وتوابعهم، وأن يعود العسكر إلى ثكناتهم وانتظار إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية وكافة مؤسسات وأجهزة الدولة وفق أسس قومية جديدة, وتكوين جيش قومي واحد بعقيدة عسكرية جديدة.
ويرى الحزب الشيوعي أن خطاب الفريق البرهان أكد صحة التسريبات التي انتشرت في الأوساط الإعلامية وتحدثت عن تسوية سياسية عبر تكوين حكومة مدنية ومجلس أمن ودفاع. وأعلن عن موقفه المبدئي الرافض للتسوية السياسية المطروحة وإدانته كل القوى المشاركة فيها. وأضاف قائلاً: (إن الخروج من الأزمة الحالية يعتمد على استمرار امتلاك الجماهير الشوارع التي لا تخون وتسيير مواكبها الهادرة وتحويل اعتصاماتها إلى بؤر تقود وتدعم الجهود المبذولة لتوحيد القواسم المشتركة في المواثيق الثورية، والوصول إلى وثيقة واحدة كبرنامج للثوار في طريق بناء المركز الموحد لقيادة وتنسيق الحراك الجماهيري الواسع لإسقاط الطغمة العسكرية وبناء السلطة المدنية الديمقراطية).
مآلات الرفض وآفاق المستقبل
ومن جانبه يرى الأكاديمي والاستاذ الجامعي الدكتور عبد الله ضيفة أن قرارات البرهان مربكة، حيث أربكت الساحة السياسية كلها، وقال ضيفة في تصريح لـ (الانتباهة) إن القرارات أعطت بصورة مبدئية بادرة حسن نية بأن الجيش سيخرج من المشهد السياسي، لكنها اشترطت توافق القوى السياسية والمدنية والثورية الفاعلة في الساحة، على أن يتوافقوا على برنامج للفترة الانتقالية أولًا وتشكيل حكومة من كفاءات مستقلة (تكنوقراط) لتسيير وتنفيذ برنامج الفترة الانتقالية وصولاً للانتخابات، ومن ثم يصدر قرار بحل مجلس السيادة بعد تشكيل الحكومة وخروج الجيش عملياً من المعادلة السياسية.
ويصف ضيفة هذا الأمر بالـجيد حتى تخرج البلاد من المأزق الحقيقي الذي تمر به، وأضاف أنه لا بد من الحوار بين الفاعلين في سبيل الوصول لمعادلة وسط يدار بها المشهد، لكنه من ناحية أخرى يقرأ الرفض بسبب عدم الثقة وبُعد الأحزاب كلها عن طموحات الشعب وعدم امتلاكها برنامجاً سياسياً مكتوباً، وكذلك يرى أنها ليست ذات ثقل جماهيري. وتابع ضيفة قائلاً: (الآن يحاولون مغازلة الشارع، ولم يذهب أحد منهم لمخاطبة الاعتصامات، وذلك يدل على أن الشارع مستقل عنهم ويمارس الضغط من أجل تحقيق أهدافه).
ويعتقد ضيفة أنه لا بد من تواضع القوى السياسية، معتبراً أن قرار الجيش قطع الطريق أمام من يريدون مشاركة الجيش، وأن المنبر الوحيد المتبقي هو منبر الآلية الثلاثية، مؤكداً أنه الآن سيستمر بمن حضر وصولاً لتشكيل حكومة، وأن مواقف القوى المتعنتة يمكن أن تؤكد للمجتمع الدولي عدم جديتها، وسيضطر بعدها للتعامل مع مخرجات حوار الآلية الثلاثية مهما كان غير ملبٍ
لطموحات البعض.
أما الخيار الآخر فيقول ضيفة إنه إذا انتهت المهلة ولم تتوافق القوى السياسية، ربما يضطر الجيش إعلان مجلس عسكري جديد، وإنه ربما تأتي وجوه جديدة غير الحاليين ويتم الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة.