عندما غنّى د. النعمة شعراً لوطن الشمس – اللقاء كان خلية عسل دافق بين شط اللؤلؤ وتوتيل
بقلم / بابكر عيسى أحمد
بإرادة حرة ودون قهر أو إملاء قررت أن أترك هذه المساحة التي أطل منها كل أسبوع على القراء للأخ الصديق الدكتور إبراهيم المقبول .. ذلك القادم من حي العرب بأمدرمان والمملوء بالزهو والإفتخار .. ورغم أن عالمه مليء بالأرقام والمُعادلات الحسابية إلا أنه عاشق للأدب والفن حتى الثمالة.. وليس غريبًا على أبناء حي العرب العريق أن يكونوا شغوفين بالأدب والفن والغناء، بل والإبداع في مختلف صنوفه وألوانه.
الدكتور إبراهيم المقبول رغم هدوئه الظاهر إلا أنه ثورة وبركان من الغضب عندما يستشعر الخطأ أو يحسه أو يدنو من حياضه .. وهو دائماً ما يثور من أجل الحق كارهاً للخطأ والتدليس وعدم التقدير، ومثل المُبدعين من حي العرب ينتصر دائماً للحق والحقيقة فهم الذين علمونا الإبداع فناً وشعراً.
إلتقينا بعد الأمسية الباذخة التي أنشد وتغنى فيها الدكتور حسن النعمة بالسودان وبحبه لأهله ومبدعيه ومعرفته العميقة حتى بـ (حقيبة الفن) في قاعة جويانا بفندق راديسون بلو (رامادا سابقاً) ورأيت التأثر في عينيه وبإنبهاره بتلك القامة الثقافية والدبلوماسية التي تعرف عن السودان أكثر مما يعرف بعض بنيه وأهله.. قلتُ له مُداعباً إنني سأترك المساحة التي أطل منها على القراء كل أسبوع بيضاء لتطل منها وتكتب عن هذا الحب النبيل الذي استشعرته في تلك الأمسية الاستثنائية.
صدق د. ود المقبول كما يحلو لي مُناداته وبعث لي عبر الواتس آب قطعة أدبية تقطر حبًا وعرفاناً وشكراً وسأستعرضها معكم في السطور القادمة بروح الأديب والمحب للشعر رغم أنه قدم إلينا من جامعة الخرطوم كلية العلوم الإدارية، وأدق تخصصاً نظم المعلومات الإدارية.
وصف د. إبراهيم المقبول لقاء د. النعمة برؤساء الروابط المهنية ورابطة المرأة السودانية بالدوحة (سوا) وجمهور من أبناء الجالية السودانية بدولة قطر الحبيبة بأنه (خلية عسل دافق بين شط اللؤلؤ وتوتيل).. وقال إنه لقاء بحجم مناداة تتوشح جلباباً أخضر يختطف من عصافير الجنة لغة صوفية عميقة ناجاها محمد المهدي المجذوب ذات ليلة وارجحنت أوتار مزمارها عند المبدع الفنان عبدالكريم الكابلي ..تارة تكتنز من تعاريج الذكرى لفافة عند دومة ود حامد .
ويُخاطب د. إبراهيم د. النعمة قائلاً (لقد كان حديثك عن وطن الشمس أشبه بحبيبة تنسج منديلاً من حرير لحبيب بعيد كما أشار صلاح أحمد إبراهيم الذي رثيته دمعاً هتوناً).. فتارة وأنا جالس سمّاع إلى جزالة حرفك وكأنك تنادي عبدالله الطيب – طيب الله ثراه – مرشداً قيماً لبنات رامه.. تارةً أخرى أحس كأني أتجول على جبل توتيل وأوقظ نعاس ما أصطفى من أشجار عند معرض الزهور بأن موعد الطل قد حان.
أجلس على أريكة الذكرى بإحساسين مُتناقضين .. حديثك الذي يضاهي عسلاً جبلياً عن بلدي يجعلني أمشي مشية طاووسية زهوًا وكأني عريس يشتم جرتقاً معتقاً .. وفي مرة أخرى تتضاءل عندي الصورة، فكيف للقلم أن ينزف صريراً.. هذه الأيام نمر (بصناعة التفاهة) مغنى ومعنى.
ويضيف دكتور المقبول مُخاطباً دكتور النعمة (إن حديثك عن الحقيبة نقلني إلى عوالم ذات بعد عميق .. هناك خيط رفيع بين التصوف ورباعياتها تستدعي خليل الضل وتنهدات توتي عندما الليل يقف شاهداً).
أما تداعياتك الثرية عن الراحل المقيم الطيب صالح تلخص سلاف قوله (إيه الدنيا يا محميد غير ..) ها أنت تحققها فتنسج ثوباً قشيباً من الود المطرز بياقوت آخر الزمان يتدثر به الطيب عند البرزخ بعد إخاء صادق بعد غياب أبدي .. إنك لم تترك لغات الحنين زهواً لصحاب الوداعات الناقصة عند قبو الغائبين.
وختم د. إبراهيم مقالته بالقول «شكراً أستاذي الفخيم بابكر على تقديم هذه الندوة التي نادت فينا تداعيات زمن جميل.. وموصول الشكر إلى البروفيسور أحمد إبراهيم أبوشوك على الحوار الندي الذي يحاكي صلة الجائزة التي فاز بها في محفل الطيب «الإنسان النادر على طريقته».
أضيف أنا صاحب هذه المساحة: إن حضور الشاعر والدبلوماسي والأديب القطري د. حسن النعمة إلى تلك الأمسية الباذخة أذهل الجميع بثراء معرفته بأدباء السودان وشعرائه وبقيم أهل السودان وسماحتهم وقد هيج د. النعمة في دواخلنا الكثير خاصة تلك العلاقة الخاصة إلى درجة العشق بين الشعبين القطري والسوداني.
ولا يفوتني أن أشيد بالرعاية الأبوية الصادقة التي حظي بها أبناء الشعب السوداني في دولة قطر تحت رعاية صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدى.. وطوبى لأهل قطر بهذه القيادة الرشيدة الواعية التي تملك الرؤية والإرادة، والتي حققت الكثير والمفيد والنافع للشعب القطري الشقيق.
تداعيات ندوة «السودان وقطر .. العلاقة التاريخية وأبعادها الثقافية» في الذكرى السابعة والستين لاستقلال السودان والرابعة لثورة ديسمبر المجيدة لم تتوقف عند شخوص بعينهم بل تداعت في أوساط كل السودانيين الذين حرصوا على أن يكونوا شموعاً مضيئة في ذلك الحفل البهي الذي زانه د. النعمة بحضوره الأخاذ والمُذهل.