عبدالرحمن محمد فضل | الهوية القاتلة
عبدالرحمن محمـــد فضــل
الهوية القاتلة
من الشعارات البارزة التي رفعتها حركة الإخوان المسلمين، والتي طالما عملت بها على مدى تسعون عاماً، هو ذلك الشعار الذي يصادم البقاء والحياة (شعار الموت في سبيل الله أسمى أمانينا) هل اسمى أماني المسلم والاسلام هو الموت؟! في حين أنه نجد أن النبي صلى عليه وسلم نهى عن تمني لقاء العدو ! ولا أدري لماذا لا تكون حمل الرسالة والدعوة لعبادة الله و المحبة والعدل في سبيل الله اسمى أمانينا؟! ولماذا لا يكون حب الخير لكل البشر اسمى أمانينا؟! ولماذا لايكون عمارة الأرض اسمى أمانينا؟! ولماذا لا يكون إكتساب المعارف والعلوم والقيام بالإكتشافات التي تفيد البشرية، وإختراع الأدوية، والقضاء على الأوبئة والأمراض، وتخفيف معاناة ملايين البشر، اسمى أمانينا؟ لماذا فقط الموت؟! هل الموت هو مايريده الله لنا وهل ان الله قد بعث الأنبياء والرسل من أجل الموت والقتل؟! ومن هو هذا الإنسان الذي يقرر متى وكيف ولماذا نموت نحن ، ونميت الغير معنا؟! هل يكفي أن يتخذ بشراً مثلنا قراراً بالموت، لهدف ما، أن يميت نفسه والآخرين معه؟! أنه تطرف النفس البشرية وتطرف الفكر وتقديس ماهو ليس مقدس، تقديس بعض البشر وجعل أقوالهم مقدسة بل فوق ماهو مقدس، أين العدل والرحمة والحرية التي منحها الله لعباده، أين جمال الحياة، أين الحق في أن نعيش، ونسعى في الأرض، ونحييها بعد مماتها؟! و نجد ذلك واضحاً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس للحياة والتعمير والبناء قال: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)، ولكن للأسف لقد إتخذ الغلاة في مختلف الأديان طريق الموت لإجبار المختلفين معهم (إما حياة وإما موت) وظلت الهوية لدى الإنسان تشكل في بعض الأوقات خطورة بالغة علي حياته أو تكون هي بمثابة فخ ومصيدة يقع فيه الإنسان إذا دخل منطقة نفوذ لتلك الفئة المخالفة له في( الهوية) لأنه في حقيقة الأمر إن هوية الإنسان تجعله يصنف هل هو من الأعداء والخصوم أو الأتباع حيث تشكل أحياناً الأسماء رمزية لطائفة أو ديانة أو منطقة بعينها داخل الدولة أو القطر الواحد من خلال الاسم يتم تصنيف صاحبه هل هو (شيعي أو سني) مثلاً كما يحدث في بعض البلدان مثل العراق، لقد ظلت قضية الهوية،عبر كل العصور أحد الأدوات التي يستخدمها الإنسان ضد أخيه الإنسان لأن كثير من الدول والأنظمة أو بعض الناس يعتبرون أن هناك إنتماءاً واحداً في هذا الكون مسيطراً ويجب أن يسيطر بل يفوق كل الإنتماءات الأخرى ويمتاز عليها في كل الأحوال ومختلف كل الظروف إنه ( الهوية ) هذا الإنتماء ربما يكون هو (الحزب) لدى بعضهم و(الطائفة) أو (الشيخ) أو (المرشد) أو (الباشا) لدي آخرين و(الأرض ومضارب القبيلة) لدى فئة وهو (الوطن) بالنسبة لبعضهم أو(الدين) بالنسبة لبعضهم الآخر ، ولكن إذا تجولنا بنظرة فاحصة على مختلف الصراعات التي تدور حول العالم سوف نجد أنه من المحال أن يسود إنتماء بشكل مطلق ويسيطر على كل الأرض ولكن يظل الإنتماء يختلف ويتنوع حسب الظروف وحسب ماتستدعيه الحاجة الآنية في الظرف المعين فحين يشعر بعض الناس أنهم مهددون في عقيدتهم فحينها سوف يكون الإنتماء الديني هو المسيطر بل هو الذي من خلاله يتم إختزال هويتهم ومشاعرهم وتفكيرهم جميعاً، أما إذا كانت لغتهم أو ومجموعتهم الإثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد أخوتهم حتى لو كانوا على دين واحد كما يبدو ذلك واضحاً في (الأتراك والأكراد) كلاهما ينتمي إلى الاسلام ولكنهما يختلفان في اللغة ولكن يدور بينهما صراع دموي عنيف وأيضاً يظهر لنا ذلك في صفحات التاريخ القريب الذي دار بين الهوتو والتوتسي كلاهما كاثوليكي ويتحدثون نفس اللغة ولكن كل من هذه الثوابت والروابط القوية اللغة والدين لم تمنع ذلك التذابح الرهيب الذي حدث بينهما؟!! وكذلك نجد التشيكيون واليوغسلافيون كاثوليك أيضاً، فهل سهل ذلك العيش المشترك بينهم في وئام وصفاء؟! وأيضاً ماحدث بين السودان وجنوبه قبل الإنفصال قتال من أجل (الهوية) وعندما إنفصلت كل دولة أيضاً لم تسلم دولة جنوب السودان من تلك الصرعات بين قبيلة الدينكا والنوير وبعض القبائل الأخرى وشمال السودان لم يسلم هو الآخر من الحرب بين دارفور والمركز وكلهم ينتمون إلى الاسلام، والقتال هنا قتال من أجل (الهوية) في حقيقته الأمر على مايبدو أنه نصرة للقبلية والطائفية والمناطقية والمعلن هو مطالبة بالحقوق ورفع الظلم والعدل والمساواة في الحقوق المهضومة.
وأيضاً مانسمعه من مناداة (لهوية) الأمازيغ والبربر في دول المغرب العربي ضد الهوية العربية التي طغت وسيطرت على هويتهم التي ينتمون لها وبالتأكيد أنهم يعتزون بها أيما إعتزاز وهذا من حقهم كل هذه الصراعات تدور حول (الهوية) وتختلف من مكان إلى مكان في مسماها (دين عقيدة وطن قبيلة طائفة لغة)
أنني حاولت أن أسوق هذه الأمثلة لكي أشير إلى حقيقة أنه في حال وجود نوع من التراتبية بين العناصر التي تشكل هوية كل فرد ، فهي ليست ثابتة وتتغير مع تغير الحكومات والأنظمة فحسب ، بل تتغير أيضاً مع الزمن وتُغيِّر التصرفات وتظهر هذه النزعة حينما يشعر الإنسان بأنه مهاجم في أحد ثوابته سواءً كانت دينه أو عقيدته أو مذهبه أو لغته.