المقالات

سياحة في كتاب “الأناشيد القديمة” دعوة المركز الثقافي السوداني للأستاذ عبدالمنعم إضافه ثرية


بقلم/ بابكر عيسى أحمد

منذ أعوام مضت أهداني العزيز عمر مكي الفحيل عرضاً لسياحة في كتاب “الأناشيد القديمة” للأستاذ الفاضل والأخ العزيز عبدالمنعم خليفة خوجلي الصادر عن مركز عبدالكريم مرغني الثقافي.
ويقول عمر في عرضه الرائع لكتاب “الأناشيد القديمة” الذي أهداني إياه لنشره بالراية حينما كانت الراية تزرع الرياحيين وتنشر الشذا وتطلق العصافير في سماء الدوحة الفسيحة “من الواضح أن العنوان مقتبس من الملحمة الرائعة للشاعر الكبير تاج السر الحسن “آسيا وأفريقيا” التي يقول عنها المؤلف “أنها تعبر عن التضامن الأسيوي الأفريقي بعذوبة فائقة وتعكس بكلمات ملونة وأخاذه تفاعل السودانيين الصادق مع حركات التحرر الوطني، وتوثق لوحدة الأهداف والتطلعات المستقبلية بين شعب السودان وشعوب القارتين”.
ويشير عمر الفحيل أن الكتاب الذي يقع في نحو 260 صفحة من القطع المتوسط ثري ومتنوع ثراء وتنوع السودان الذي ينتمي إليه المؤلف … فقد حوت أبوابه الشاملة في لغة رصينة ورشيقة في ذات الوقت ذكريات عن وطنه الصغير مدينة الأبيض التي ترقد وادعة على رمال إقليم كردفان غربي السودان، والتي ود المؤلف أن يختزل وصفها ب”الرائعة”، ويضيف الفحيل لا أعتقد أن شهادته مجروحة بإعتباره من أبنائها، اذ أنه أقام الدليل الساطع على استحقاق تلك المدينة لذلك الوصف حيث يوضح أنها “العاصمة الأولى لأول دولة مستقلة في أفريقيا ينتمي إليها أول حاكم سوداني وطني في العهد التركي وهو إلياس باشا أم برير، وهي المدينة التي حققت فيها الثورة المهدية نصراً كبيراً بتحريرها من الحكم التركي في التاسع عشر من يناير 1883 والذي عقبه ذلك النصر المؤزر في غابة شيكان التي خرج إليها جيش المهدي يدعمه ويؤازره أبناء المدينة ليقضوا على حملة هكس باشا قضاءاً مبرماً … لتتوالى الأحداث التي انتهت في نهاية الأمر بتحرير السودان من ربقة الحكم التركي وبزوغ عهد وطني جديد … أعتقد أن هذا يكفي لوصفها ب”الرائعة” وإن غضضنا الطرف عن كل ما ساهمت به المدينة في الأزمان والحقب اللاحقة نضالاً وطنياً وفناً وأدباً وشعراً وتوعية وثقافة.
يقول عمر الفحيل “اذا انتقلنا في سياحتنا في هذا الكتاب إلى باب تحت عنوان “أوراق أكتوبرية” – لغير السودانيين أقول إن كلمة أكتوبرية هي إشارة لهبة شعبية عارمة تفجرت في شهر أكتوبر 1964 وأطاحت بأول حكم عسكري في السودان عقب استقلاله- نجد أن كتابة الأستاذ عبدالمنعم عن هذه الثورة قد جاءت متميزة للغاية إذ أنه أحد صانعيها رغم أنه يقول في تواضع جم في الحلقة الرابعة منها “وأرجو المعذرة إن ورد حديث عن شخصي الضعيف في هذه الحلقة وهو ما حرصت بقدر المستطاع على تفاديه وأنا أكتب هذه الأوراق لمصلحة الأجيال الحديثة، لكن شاءت الأقدار أن أكون في قلب هذه الأحداث تضامناً مع أهالي حلفا.
كان المؤلف يلقي الضوء في هذه الحلقة على مظاهرات غاضبة سيرها أبناء حلفا المدينة التي تقع في شمال السودان على الحدود السودانية المصرية والتي غمرتها هي وقرى كثيرة جنوبها المياة عقب بناء السد العالي بإتفاق بين حكومة السودان العسكرية والحكومة المصرية إبان عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر … غير أن للأستاذ جوالات وصولات أخرى منها المشاركة في تقديم مذكرة سياسية تاريخية قدمها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد طلاب المعهد الفني آنذاك (جامعة السودان حالياً) للحكومة في نوفمبر عام 1961 مطالبة بشجاعة برجوع الجيش إلى الثكنات وإعادة الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة … وبطبيعة الحال ليمضوا فترة لا بأس بها في غياهب سجون النظام … ومع ذلك يصر المؤلف على الإعتذار … فتأمل!!
في هذه الأوراق الأكتوبرية يلقي المؤلف الضوء على تلك الثورة الرائعة ومراحلها والمقدمات التي أفضت إليها وأبرز مكونات المناخ الفكري والسياسي العام الذي صاحب تلك الفترة سودانياً وإقليمياً وعربياً، وذلك بصفته أحد أبناء جيل الثورة الذين عايشوا أحداثها لحظة بلحظة … وشاركوا في صناعة أحداثها من خلال تمتعه بعضوية لجنة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لمدة السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع الثورة مباشرة.
ويشير عمر عقب ذلك ينتقل المؤلف إلى ذكرياته في حقل الأدب الذي له فيه باع طويل يظهر في ثنايا هذا الكتاب، ولا غرو في ذلك فهو ابن جيل ومدينة الشاعر الفخم محمد المكي ابراهيم الذي قدم لهذا الكتاب تقدمة بديعة وصفه فيها “بالسفر الأنيق” وغيره من أبناء ذلك الجيل منهم الشعراء صلاح أحمد ابراهيم ومحمد عبدالحي والدكتور حسن ابشر الطيب وهم لعمري مبدعون ورائعون.
في تلك الذكريات الأدبية يستعرض المؤلف لقاءات مع كبار الشعراء في مصر أمثال أحمد عبدالمعطي حجازي وأناشيده التي كتبها عن التضامن العربي والتضامن الأفريقي، كما إحتوى الكتاب فصلين رائعين أظهرا براعة المؤلف في تنضديد الحروف وسكبها شعراً يذوب أحياناً رقة في وصف “دار جلينج” بالهند، ويضج قومية في أحايين أخرى وهو ينعي طفلين فلسطينيين سقطا برصاص جنود الإحتلال الإسرائيلي الغاشم عام 1990 وهما نادر و نبيل.
أما في مجال الترجمة الشعرية فقد حوى الكتاب ترجمات رفيعة لبعض من أروع القصائد مثل “الرجال الجوف” للشاعر الإنجليزي ت اس إليوت والكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي دانتي أليغيري “وفزي وزي” للشاعر الإنجليزي روديارد كيلنج التي يتعين على السودانيين أن يعيروها إهتماماً خاصاً لأنها شهادة من شاعر الإمبراطورية البريطانية عن أبطال معارك شرق السودان بقيادة الأمير عثمان دقنة الذين نجحوا في هزيمة كتيبة بريطانية و” فزي وزي” تعبير استخدمه الأوروبيون للإشارة إلى قبيلة البيجا في شرق السودان وربما يكون المعنى الحرفي “ذو الشعر المتجعد الكثيف”.
اعتذر عن التوقف هنا في هذه السياحة الرائعة في كتاب “الأناشيد القديمة” ولكنني أقول للذين لا يعرفون الأستاذ عبدالمنعم خليفة خوجلي أنه إنساناً يتسم بالرقة والتهذيب والوعي والمعرفة والتواضع واتمنى أن يستضيفه المركز الثقافي السوداني بالدوحة في أمسية ثقافية مترعة بالوعي والمعرفة وهو ليس بعيداً عنا إنه هنا في سلطنه عمان الشقيقة.

1669117478_300_العدل-والمساواة-لسنا-طرفا-في-الحوار-السري-والجهري-بين-المكون.webp سياحة في كتاب “الأناشيد القديمة” دعوة المركز الثقافي السوداني للأستاذ عبدالمنعم إضافه ثرية





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى