المقالات

رؤيتي: وزير المالية .. والبشريات الإقتصادية!!


بقلم- التاج بشير الجعفري

نعلم جميعاً أن السياسيين والمسؤولين عادةً بارعون في الإدلاء بالتصريحات الإيجابية التي تعمد لتخدير الناس وصرف أنظارهم عن الإخفاقات الفعلية؛ ورغم أن هذه التصريحات (المنمقة) عادةً يتم إعدادها بطريقة محكمة ولكنها لا تعكس الواقع وغالبا ما يقصد منها إخفاء فشل ما أو إعطاء وعود زائفة لما يمكن أن يكون عليه الحال الشيء الذي يمكن إعتباره نوع من التدليس وإخفاء للحقائق وإعطاء صورة غير حقيقية ومنافية للواقع.

والتصريحات التي نحن بصددها اليوم هي التي أشار فيها وزير المالية إلى (بشريات إقتصادية كبيرة) وعقب عليها المتحدث بإسم حزب التحرير ووصفها (بالتضليل وذر للرماد) حسب ما جاء في (صحيفة الانتباهة) بتاريخ 27 يوليو 2022.

ولكن دعونا إبتداءً نناقش تصريحات الوزير وما يمكننا تقديمه من حجج حولها وما يجعلنا نتساءل عن ما قصده منها.

أولاً الطريقة التي تسير بها الأمور الإقتصادية في البلاد لا تعطي أي مؤشر لتحسن في المؤشرات الإقتصادية والمالية في ظل العزلة الإقتصادية للبلاد من جانب المؤسسات المالية الدولية وتوقف الدعم الخارجي الذي يمكن أن يساهم في أية تنمية محتملة؛ بل على العكس ونحن في الربع الثالث من عمر الموازنة العامة للدولة ولا أحد يعلم شيئاً عن أداءها وكم تحقق من ربط الإيرادات العامة وكم تم صرفه على قطاع التنمية والقطاعات الخدمية المختلفة؟.

كذلك يعلم الجميع الإخفاق الذي صاحب الإستعداد للموسم الزراعي المطري والذي تقول المؤشرات المبدئية أن المساحات المزروعة ستكون أقل من العام الماضي بسبب إرتفاع التكلفة والتي يعتبر (الجازولين) من أكبر عناصرها بالإضافة لإرتفاع التكلفة المتوقعة للعمالة (تكلفة النظافة وقطع السمسم والعيش) وذلك بسبب التضخم والتي غالباً ستتضاعف هذا العام؛ يضاف لذلك تأخر التمويل من البنك الزراعي والذي لم يحصل المزارعين عليه حتى الآن.

كل هذه المعوقات سينعكس أثرها نقص كبير في الإنتاج الزراعي الشيء الذي يمكن أن يؤدي لحدوث فجوة غذائية العام القادم إذا أخذنا في الإعتبار الظروف العالمية المعقدة بسبب حرب روسيا على أوكرانيا وما تفرضه من تحديات إنتاجية ولوجستية.

أما في مجال التعدين وصادر الذهب فلا معلومات عن الربط المقدر لإيرادات الذهب في الموازنة الحالية وكم تحقق منه فعلياً؛ ونفس الشيء ينطبق على الإيرادات الضريبية والجمركية والتي تمثل أهم بنود الإيرادات في الموازنة.

الشيء الآخر، أنه لا دعم مالي من الخارج يمكن توقعه في هذه الظروف التي تعيشها البلاد سواءً منح أو قروض من المؤسسات المالية الدولية أو في شكل (إستثمار مباشر) من المستثمرين الأجانب.

فإذا كان الأمر كذلك فمن أين تأتي (البشربات الإقتصادية الكبيرة) التي يتحدث عنها وزير المالية؟ خاصةً أننا لا نعلم عن خطط أو برامج محددة يتم تنفيذها وكيف تسير الأمور في الجوانب والسياسات الإقتصادية وماهي المشاريع التي تعمل عليها الحكومة، إن وجدت أصلاً مثل هذه المشاريع.

فليس هنالك تقارير دورية منشورة عن أداء الموازنة في جوانبها المختلفة والهامة مثل مستوى العجز (أو الفائض لنكون أكثر تفاؤلاً) في الموازنة وكم بلغت الاستدانة من البنك المركزي (الدين الداخلي) وهل يتم ذلك ضمن الحدود المسموح بها وحسب ما حددته أهداف وموجهات الموازنة وكم يبلغ معدل النمو الإقتصادي المتوقع لهذا العام؟.

كل هذه أسئلة هامة يجب أن تقترن بإجابات مقنعة حتى تستبين الأمور في الجانب الإقتصادي.

فكل ما يتوفر حالياً من معلومات هو فقط ما ينشره الجهاز المركزي للإحصاء عن معدلات التضخم والتي أفاد باستمرار إنخفاضها لتبلغ 149% في يونيو الماضي مقارنةً بـ 192% في شهر مايو الذي سبقه؛ علماً بأن المستهلك لا يكاد يلاحظ أثراً إيجابياً لهذا الإنخفاض والذي يفترض أن يكون تأثيره واضحاً في إنخفاض بعض أسعار السلع على أقل تقدير، ولكن لا أثر لذلك!!

أيضاً من المفيد أن نشير هنا للصعوبات الكبيرة التي تواجهها الإقتصادات العالمية الكبرى من إنخفاض في معدلات النمو بسبب الأوضاع العالمية الحالية (التضخم، التوترات السياسية، إرتفاع أسعار الطاقة وتذبذب الإمداد وحالة عدم اليقين التي تسود الأوساط الإقتصادية في العالم) الأمر الذي ينذر بإحتمالية حدوث ركود إقتصادي عالمي مع بداية عام 2023م حسب تقارير صندوق النقد الدولي.

إذاً وبعد كل هذا السرد يحق لنا أن نطالب الوزير بتقديم تفاصيل وإثباتات عن ما يتحدث عنه من (بشريات إقتصادية كبيرة!!).

فمن حق هذا الشعب الصابر على الظروف المعيشية الصعبة أن يعلم إن كان هنالك بصيص أمل لتخفيف هذه المعاناة الناتجة عن إرتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على متطلبات الحياة الأساسية.

ختاماً نرجو أن يتكرم وزير المالية بعقد مؤتمر صحفي أو إرسال أيجاز عن الوضع الإقتصادي للصحف لتوضيح وجهة نظره وإعطاء المزيد من التفاصيل حول تصريحاته المذكورة، حتى لا ننقاد فقط وراء تصريحات لا يسندها واقع الحال الذي يعيشه الناس.





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى