ذاكرة الشعوب لا تندثر – اليوم التالي
مزمل موزارت
_ الذاكرة التاريخية للشعوب هي تراكمات العقل الفردي و الجمعي والخبرات وبلورتها في حل مشاكل الحاضر وتصور ما قد يكون من معضلات في المستقبل ،، لذلك لطالما لجأنا كثيراً لمادة التاريخ لمقارنة احداث سابقة بأحداث جارية لنستفيد من تجارب الماضي السلبية قبل الإيجابية .. كما ان الإغراق والإبحار الدائم في نبش الماضي يعتبر ( نوستالجيا ) أي الحنين بإفراط للذكريات وهو مرض نفسي معروف .
_ في السودان نعشق التناقض فنتذكر التجارب السيئة جيداً ولكن لا نجيد التعامل معها عند التكرار ، بل نتلذذ بالوقوع في الخطأ مجدداً ، لذلك كنا ومازلنا (محلك سر) كثير من الدول التي كانت خلفنا سبقتنا مع مرور الزمن لأنها قررت النهوض بكل قواعدها ، ونحن نعيش علي أنغام الماضي بصورة إدمانية تعبر عن واقعنا المرير في كل المجالات ..
_ اذا استصحبنا ذاكرتنا السياسية مع الديمقراطيات الثلاثة في السودان سنجد مباشرة امامنا اسوأ الفترات السياسية والإقتصادية وبالتأكيد الإجتماعية والثفافية في تاريخنا الحديث ، وانا هنا لا اقصد أن حكومات (العسكر) كانت ناجحة بأي حال من الأحوال ، لكن علي الأقل يشوب السودان في فتراتهم بعضاً من الإستقرار رغم سوء الإدارة لعسكر الجيش أنفسهم ..
_ مصطلح الديمقراطية مصطلح فضفاض واسع المعني نجمله في عبارة (حكم الشعب للدولة) نعم بكل هذه البساطة .. لكن هل نستطيع تحقيق ذلك بدون أرضية خصبة مؤهلة لإستضافة هذه الديمقراطية بدون معوقات ومشاكل ؟؟
اذن لا نستطيع تطبيق ديمقراطية في دول العالم الثالث بسبب عدم توفر الأرضية المناسبة لإنجاح هذا الفكر .. وكل الأمثلة عبر التاريخ القريب تدل على ذلك .
_ نحن لا نحب ان نتذكر فشل أحزابنا السودانية الذريع في كل حقب الحكم المدني التي مررنا بها رغم قصر مدتها ولا نسأل انفسنا بعض الأسئلة المهمة !! من أين تأتي هذه الأحزاب بالدعم لإستمرارها ؟ بل من هي الجهة التي تستفيد من تقديم الدعومات المختلفة لها ؟ مع إسقاط نفس هذه التساؤلات علي الحركات المسلحة بكل مسمياتها بلا استثناء ..
_ جهة خارجية تقوم بدعم حزب أو حركة بكل تأكيد هنا سقطت اول شروط حكم الشعب (الديمقراطية) فالجهة الداخلية ستقوم بتبني أجندة الجهة الخارجية وسيبقي الشعب متفرج من علي البعد ،، وثالثة الأثافي عندما تصطدم مصالح الجهات الخارجية بمصالح ربيبتها الداخلية عندها سيدفع الشعب الثمن ويبقي الضحية بسبب جهله وعدم علمه بما يحدث من حوله .
_ لم نتعظ ابداً بسلبيات موجات الربيع العربي الأولي والثانية ، وكان بإمكاننا تحقيق الثورة الوحيدة الناجحة لأننا كنا محظوظين بالدروس المجانية من حولنا ، لكن كما قلت سابقاً نحب التلذذ بالوقوع في اخطاء غيرنا بل نزيد عليها لإثبات جدارتنا بالتفوق في الفشل علي الأخرين .
_ كل الذواكر التاريخية للدول تنبض بالحياة فهي لا تندثر ابداً فمآلات حرب اكتوبر يتذكرها الشعب المصري جيداً وإفرازات حربي الخليج الأولي والثانية ثابتة في العقل الباطن لدي شعب العراق وذكريات الفشل في فيتنام والصومال وافغانستان لا تزال عالقة في ذهن الشعب الأمريكي إلى الأبد ،،
فذاكرة الشعوب هي عبارة عن درع واقي وحائط صد من تقلبات المستقبل المجهول ، فهي الذخيرة التي تخول للجميع صحة الاختيارات في المواقف المشابهة لأحداث مضت سواء ان كان اختيار الحل في حدث الماضي صائباً ام لا ، فالأن نحن نعرف نتيجة الاختيار بمختلف الاحتمالات.
_ لست ضد الأحزاب اذا كانت تهدف لدعم الوطن والإرتقاء به ، لكن ما يحدث علي أرض الواقع يؤكد عكس ذلك ، وادرك الشعب بعد فوات الأوان ما كان يحدث خلف الغرف المغلقة .. فحتي وان صمت الشعب فذاكرته تنبض بالحياة وسيقول كلمته النهائية في الوقت المناسب .
_ لذلك دائماً ما تتوقف الشعوب لإلتقاط انفاسها خصوصاً بعد المحن الكبيرة لمراجعة أحداث طويلة عبر شريط الذاكرة الشعبية وتتخذ بعد ذلك قرارها وفقاً لمحفز داخلي او خارجي ، ورفع هذا القرار للنخبة السياسية الحية التي يهما أمر هذه البلدان ..
والسؤال الأهم هل توجد لدينا مثل هذه النخبة التي يهمها أمر الشعب ؟
غداً نعرف الإجابة .
_ ألحان الختام :
وتبقي يا حلم الأماسي شمعة ضاوية في كل دار ،،، وزهرة في كل المواسم كل يوم بتزيد نضار .
وداعاً محمد الأمين .