المقالات

خبر وتحليل.. عمار العركى | السودان ، ضغط التدخل وإغراء التحول


  * منذ  أن أعلنت إيران والسعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016م، بعد  مفاوضات قادتها الصين، توالت ردود الفعل العربية و الدولية حول إثر هذا الاتفاق والبُعد الذي يحمله فيما يتعلق بعلاقات الصين ونفوذها في المنطقة من جهة ، والتحولات  المتوقعة فى شكل التحالفات ، ومآلات صراعات وأزمات الشرق الأوسط ، والتى نتوقع تسوية كثير منها ، ولكن لا نستبعد بروز أخرى بسبب تضرر مصالح البعض جراء هذا التطور ، خاصةً (إسرائيل).

* عدد من التطورات الداخلية والإقليمية التى طرأت خلال الفترة القليلة الماضية وتزامنت مع بعضها بصورة تؤكد على أن أي إستقرار داخل أية دولة مرتبط بصورة مباشرة بإستقرار الإقليم ، وأن دول منطقة القرن الأفريقى المعترف بها جغرافياً أو  سياسياً باتت  كدولة واحدة ، ولكن من حيث وحدة المهدد والخطر  المتوقع عملاً بمبدأ (المصائب توحد المصابينا)  ، ولكن هذه (الدولة القرنية) ،  تبدو دولة منقسمة، غير متوافقة على سُبل درء تلك المخاطر ، وإيجاد  الحلول.

* هذه الوضعية  يؤكدها الحراك الإقليمى  الكثيف خلال  الفترة القليلة الماضية  ، فقد زار البرهان قطر وهناك إلتقي تميم ، آبى أحمد ، محمد ديبي ، بعدها توجه آبى أحمد  إلى جوبا فى إطار مهمة خاصة بـ(الإيقاد) ، و يجمع بين سلفاكير ورياك مشار ،  تزامناً مع وجود الفريق أول شمس الدين الكباشى، فى مشهد يوحي بأن هناك تنسيقاً وتفاهماً أثيوبياً سودانياً إقليمياً، وقبلها بيومين كان الرئيس الأرترى في زيارة رسمية لكينيا ، وأخرى سرية للمملكة العربية السعودية سبقت إعلان عودة العلاقات الدبلوماسية  مع إيران ، ثم عاد إلى بلاده ليستقبل الفريق حميدتي في زيارة مفاجئة وغير مخطط لها ، في أعقاب عودته من الإمارات التي أمضى فيها ثمانية أيام عقبها، زيارة مماثلة للحرية والتغيير المجلس المركزي ، كما كان هناك زيارات رئاسية بين الصومال وجيبوتي أثيوبيا.

* هذا الحراك الإقليمي يأتي في ظل  التصاعد الأخير لوتيرة التدخلات الدولية والإقليمية التي أثمرت – ولا زالت –  عن العديد من التطورات والمتغيرات على مستوى الشرق الأوسط ، وأفريقيا خاصةً شرقها وغربها ، التي كان أبرزها عودة العلاقات الخليجية القطرية ورفع الحصار  ، إنعقاد قمة الصين السعودية بالرياض ، زيارة المبعوثين الغربيين الستة ، جولة رئيس وزراء روسيا ( سيرجي)  لدول المنطقة من بينها السودان وأرتريا، إنعقاد القمة الأفريقية التي شهدت طرد إسرائيل من القمة ، وإعتماد الإتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين ، ومقاعد أفريقية بمجلس الأمن الدولى…. الخ.

* فبالتالي أية تطورات لاحقة على مستوى داخل أو خارج دول المنطقة، لا ينفصل عن تلك التدخلات والتي تنطلق من منطلق (صراع النفوذ الدولي  والتموضع )، من أجل الهيمنة الاقتصادية والسياسية.

* مجمل التطورات والتغيرات التي حدثت – والتي ستحدث – .كانت بصورة مباشرة على، إثر (تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية و  بروز الصين كقوة موازية) ، تطورات تُنبئ بأن مرحلة التحولات والتحالفات وفق التشكيل الجديد للخارطة قد بدأت فعلياً ، (واحدة منها  عودة العلاقات السعودية الإيرانية) ، وإنطلاق  تفاهمات مصرية بحرينية إيرانية يتوقع معها أن تفضي لتطبييع ، على ضوءها  سيعاد ترتيب التحالفات والمواقف عموماً .

* عليه ، لا نستبعد بأن يكون الحراك واللقاءات والزيارات المشار إليها في هذا السياق ، وما قام به  البرهان مع قطر وتشاد وأثيوبيا فى زيارة الدوحة ، وزيارة  حميدتي و الحرية والتغيير للإمارات وتواصل حميدتي  أفورقي ، والكباشي مع جنوب السودان وأثيوبيا، ما هو إلا محاولات ومساعي لحشد وتعبئة تجاه تسوية الأزمة  السياسية  السودانية الراهنة من جهة ، وتوحيد وجهات النظر والمواقف حيال  التطورات والمتغيرات الإقليمية من جهة أخرى.

* أعتقد أن هذا الحراك والمناورات الإقليمية ، إحدى  إيجابيات(الحرب الروسية الأوكرانية) والتنافس المحموم على كسب الدول وبناء التحالفات، الذي أصبح (سلعةً) باهظة الثمن ،  أجبرت القوى المتنافسة على استخدام أسلوب الإغراء والحوافز ، و(الجذرة البلا عصا) ،  مع ترك هامش للمناورات والاستطلاع فى فضاءات ومساحات كانت حتى زمن قريب ،  محظورة ومُحرمة بأمر القطبية الآحادية .

* من الواضح أن المشهد فى الشرق الأوسط والخليج بدأ يتشكل بقيادة سعودية وبصمات صينية بدأت بعودة قطر للمشهد ، والذي سيأخذ أبعاداً جديدةً ، بعودة العلاقات السعودية الإيرانية ،التي ستليها عودة العلاقات مع باقي دول الخليج ومصر والسودان.

* المشهد الأفريقي  لا يزال في المرحلة ما قبل التشكيل ، وإن كان للصين نشاط كبير في شرقها والبحر الأحمر ، ولتركيا وروسيا مثله فى غربها وساحل الصحراء ، وبتأثيرات صينية  سعودية مصرية قطرية متوقعة سيتم بروز ملامح لشكل المشهد القادم.

* خلاصة القول ومنتهاه:-

– الشاهد في كل هذا أن(السودان) ، برغم أزماته ومعوقاته ، ومن خلال موقعه وثقله يظل الدولة المحورية والفاعلة والقاسم المشترك في المشهدين العربى والأفريقى ، فقط مطلوب إدارة فترة  الحراك والمناورات، بتخطيط استراتيجي وذكاء سياسى يُستثمر فى الوصول لتسوية واستقرار سياسى داخلى ، ثم تموضع إقليمى يتناسب مع محوربة وفاعلية السُودان.





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى