المقالات

حميدتى ثلاثي الأبعاد .. إعادة نشر


عمار العركى

* (حميدتي) اسم لثلاثة شخصيات إعتبارية تتلبس شخصيته المعنوية ، أول ما بدأت في التخلق والتطور كان في رحم جهاز الأمن والمخابرات الوطني وعندما نما وإشتد عودها ، وحققت هذه الشخصية نجاحات استراتيجية أكثر مما هو متوقع على مستوى الجهاز ، مما جعل (القصر) يستأثر به لاستراتيجيات أكبر وأخطر، وأصبح القصر الحاضنة والأم البديل ، قبل  أن تنتقل إلى حضن   الثورة والتغيير، في إنتقال طبيعي لشخصية لم تستقر فى حضن فترة تكفي لنمو مشاعر الإنتماء والولاء.

* شخصية شغلت الدنيا والعالمين و تخطت كل الحدود وذاع صيتها إلى ما وراء البحار وأصبحت أساسية في السياسة المحلية ، وتؤثر فى السياسات الإقليمية والدولية محاطة ومحتاطة بقوة عسكرية وإقتصادية لا يستهان بها، وتحالفات خارجية على مستوى ، مسنودةً بجيش جرار من المستشارين والمساعدين والمحكوم عليهم زوراً وجوراً بعدم الكفاءة والتقصير في المشورة الصائبة ، فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تقديم استشارة تُلبى رغبات الشخصيات الثلاث المتناقضة والمتنافرة .

* كما أن هناك (حميدتي) آخر معروف للجميع من قبل التغيير ، صعد بسرعة الصاروخ ، لقمم الزعامة والقيادة والحظوة ، كزعيم أهله وعشيرته ، وقائداً لقوات الدعم السريع واحد خاصة الخاصة المقربين المدللين من الرئيس البشير الذي، لقبه بـ (حمايتى) ، بالتالي أصبح (حميدتي) المعنوي والطبيعي أمام تحد ذاتي وشخصي في أن يلبي متطلبات واستحقاقات ( حميدتي ) نائب الرئيس و (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع ، حميدتى الأمير والزعيم العشائرى.

* هذا التشخيص الإزدواجي مهم جداً عند تحليل وتقييم أقوال وأفعال (حميدتي) لأن من الصعب على أي إنسان مهما كانت مؤهلاته وإمكانياته أن يضبط ويوازن ما بين نقائض وتقاطعات تلك الشخصيات ، فمطلوبات وإشتراطات القيادة العسكرية تختلف عن مطلوبات وإشتراطات القيادة السياسية على مستوى سيادي ، كما أن معايير وضوابط الشخصتين تختلف ولا تلتقي مع معايير ومواصفات الإمارة والزعامة الأهلية ، فوق هذا كلها (فحميدتي) المواطن السوداني البدوي والعفوي ، استحال عليه التأقلم والموازنة. الأمر الذي نتج عنه الشخصية التي أمامنا نسمع قولها ونرى فعلها ، ونجد لا القول منطقي ولا الفعل عقلاني.

* من هنا جاءت التناقضات والتقاطعات في مواقف أفعال وأقوال حميدتي النائب مع حميدتي القائد بصورة وجدت النقد والضجر من الغالبية حتى (حميدتي) المواطن الطبيعي الذي عبر عن ذلك في منابر وتصريحات كثيرة بخروجه عن البروتوكول السيادي والسياسي كرجل دولة ، وعن الإنضباط وضبط النفس كقائد عسكري ، ويتوقف مواصلة القراءة من الخطاب الرسمي المعد استشارياً ، ويبعده فى ضحر واضح وهو يخلع عنه نظارة القراءة المزعجة ويقول: ( خلونا من الكلام السياسي المكتوب ده ، ونتكلم بالطريقة البنعرفها) ، وبذلك يظهر فى المشهد (حميدتي) الطبيعي والبسيط الذي ضاق ذرعاً من حميدتي المُسيس وحميدتي العسكري ، ففر منهم إلى دارفور معتكفاً طالباً الراحة متحللاً من ربطة العنق والبدلة الرئاسية المُقيدة ، هذا قبل أن يلحق به كسار الرقاب الخبيث (فولكر) ، فحميدتي الطبيعي،لا يدرك بأن سوس السياسة يدركه ويتسلقه وينخر في عضمه وشخصه وكيانه وتكوينه أينما ذهب وحل .. ولن يجد الراحة والاستجمام والهدوء ، له ولغيره إلا يحدد ويختصر ذاته في واحدة من الشخصيات الثلاثة وفي ظني بأن (حميدتي الطبيعي) لا يجد نفسه وذاته وراحته إلا (كقائد).

* حميدتي الطبيعي عندما قال ما قال عن كسر الرقبة ، والإرادة ، وحكم المخابرات السفارات…. ألخ – وأن كان كل ما قاله معلوم ، قامت الدنيا ولم تقعد ، مع إن المتحدث كان حميدتي البدوي وعفوي ( الفى خشمو على لسانو واليحصل يحصل إن شاء الله تمطر حصو ).

* منذ البداية  (كسر الرقبة) كان ذاتياً منذ البداية ، بالدخول عالم السياسة والمخابرات والسفارت والتعاطى معها دون إمكانات سياسية ومخابراتية ودبلوماسية تكون النتيجة الضربة القاضية (بكسر الرقبة) وبسبب هذه الشخصية ثلاثية الأبعاد ، (فنائب) السيادي تحالف مع عدو (قائد) الدعم لأمر الذي كسر رقبة (الزعيم) العشائري ، مما جعل (البدوي) يضجر ويزمجر ويعبر عن ذلك بصدقه الفطري وأمثال شعبية من باديته .. فالنائب دعم وإنحاز لعدوهو وإتفق معه إطارياً ، وذهب يروح ويعمل بكل قوة لإنجاح الإتفاق ، وفي يوم خطاب التوقيع تحدث بلسان (قائد الدعم السريع)، موجهاً الإنتقاد وداعياً لإصلاح الجيش ، قبل يخرب (حميدتي البدوي ) البروتوكول ويغادر المنصة ويترك الرئيس يسير خلفه ، ويجلس قبله .

* عند اسقاط كل هذا مسيرة (حميدتي) المليئة منذ البدايات بالضغوط وعدم الإتزان والظنون الخاطئة والاستشارات المفخخة ، فهنالك كثير من الرقاب التي تكسرت.

* أهمها (كسر رقبة جهاز الأمن) والتوقيع على قرار حل هيئة العمليات ، لأن المخابرات والسفارات (كسارة الرُقاب) تعلم جيداً بأن الجهاز وهيئته هو المانع والحائل دون تكسيرها لأية رقبة ، فكان نجاح مؤامرتها وسيطرتها وتحكمها مرهون بكسر رقبة وشوكة الجهاز ، وقد كان بنسبة كبيرة.





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى