العمالة اليومية (الغبش التعاني) ….. كيف يعيشيون ؟؟
الخرطوم: هنادي النور – هالة حافظ
تعاني العمالة اليومية من المستقبل المجهول والقدرة على تأمين لقمة العيش بعد مسلسل الارتفاعات المستمرة للأسعار، والتي جعلت عامل اليومية يعيش الخوف من الغد ، وبما يحمله من صعوبات اقتصادية ومفاجات ، وفي وقت حذر فيه خبراء ومهتمون بالشأن الاقتصادي من مغبة انهيار الاوضاع بالبلاد بسبب كثير من الصدمات التي يعيشها الشعب من قرارات اقتصادية قاسية اتخذتها الحكومة الانتقالية وتحملها غالبية الشعب من محدودي الدخل .
(الإنتباهة) اجرت استطلاعات لعدد من الموظفين لعكس شكل الحياة التي يعيشونها في ظل تدهور الوضع الاقتصادي الذي أرهق كاهل المواطن الذي اعتاد على التذمر من سوء الأوضاع الاقتصادية لا سيما في ظل عدم وجود حكومة حتى الآن.
و بدأنا الاستطلاع بموظفة من إحدى الوزارات السيادية وهي ” س. م” ارملة تعول اسرتها ولديها ٣ من الاولاد وبنتين ويدرس اثنان من أبنائها في الجامعة واحدهم يدرس في المرحلة الثانوية اما البنتان فتدرسان في الأساس وبدأت س. م حديثها لـ(الإنتباهة) بالشكوى من ضعف مرتبها الذي لايكفي لتغطية احتياجاتها اليومية ،وأضافت ” ياريت حتى المرتب الضعيف ده لو بنصرفوا في مواعيدو ” ، مشيرة الى عدم صرف المرتب احياناً لأكثر من ثلاثة أشهر بحجة عدم توفر الموارد المالية من قبل وزارة المالية ، وأشارت إلى أن لديها اخا خارج السودان يساعدها بإرسال مبلغ رمزي شهرياً لتستطيع أن تغطي من خلاله احتياجات أبنائها التي وصفتها بالكثيرة خاصة مع زيادة أسعار السلع والخدمات التي تتزايد بصورة يومية دون توقف بجانب اقتراب موعد المدارس الكارثة الأكبر إذ أن رسوم المدارس الباهظة ارغمتها على إخراج ابنتها الصغرى من المدرسة الخاصة التي كانت تدرس بها إلى مدرسة حكومية لتفادي دفع الرسوم التي لم تستطع أن توفرها ، وأضافت وهي تتحدث بيأس ” والله مرات بنقضي اليوم كلو بوجبة واحدة ” ، مشيرة إلى ان الوضع أصبح لايطاق وهذا مما دفع ابنها الأكبر لطرح فكرة الهجرة الى الخارج للعمل إلا انها أصرت على تكملة تعليمه.
طفل عامل
وسرد لنا إسحق ابراهيم والذي يبلغ من العمر ٩ سنوات ويعمل بائع مناديل بالمحطة بمنطقة شرق النيل ووالدته مقعدة بينما يعمل والده في مناطق تعدين الذهب قصته وقال لـ(الإنتباهة) ان والده لديه اكثر من عام لم يعد حيث يعمل إسحق حاليا للصرف على والدته وأخواته البنات واضاف ان عائده اليومي ٧ آلاف جنيه ، وشكا من أن هذا المبلغ لايكفي لجلب الأدوية الخاصة بوالدته والمصاريف اليومية، وقال ان المنزل الذي يقطنون فيه كان مستأجرا وبعد ذهاب والده لمناطق التعدين صعب عليهم دفع الإيجار مما دعا صاحب المنزل اعفاءهم من دفع الإيجار.
ظروف قاسية
واستنكر الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية عبدالرحمن عباس عدم وجود حكومة لاكثر من ١٢ شهرا مما فاقم هذه الاشكالات الحالية ، ووصف ذلك الأمر بأنه عدم مسؤولية ، وجزم بأن القطاع الصناعي يواجه تحديات عديدة وتوقف حركة البيع ، واضاف هناك كساد ضارب بصورة غير عادية .
وافصح عباس في حديث لـ( الإنتباهة ) امس ان العمالة تواجه ظروفا صعبة قياسا بالمجتمع عامة ، واصبح يعاني معاناة قاسية ، وجزم آن استمرارية العمالة اليومية بالمصانع من جانب إنساني فقط وغير ذلك لايوجد إنتاج، واردف الحال صعب وعلاجه صعب ، وارجع بالقول أن العلاج يمكن لوزير المالية أن يعمل على زيادة المرتبات لكي تستطيع تستوعب العمالة لان حركة البيع والشراء متوقفة ، فقط إنتاج، ولذلك المخازن أصبحت مكدسة بالسلع المنتجة ، وفي نفس الوقت هناك مطالب من العمال بزيادة رواتبهم ، متسائلا ” من اين تأتي الزيادة، ولاتوجد قوة شرائية ، وجزم قائلا ” كأصحاب مصانع مضطرين لفصل العمالة اليومية ، وبرر ذلك بانها ضرورة قضت بعدم استيعاب عدد من العمال ، وكشف عن اتجاههم لتخفيض العمالة الموسمية ، اما العمالة الثابتة موجودة ، ونبه الى عدد العمالة كبير جدا ، ولكن لم يتم حصرها حتى الآن ، واضاف توجيه التنظيمات بعمل احصائية لعدد العمالة ، ولكن ظروف العمل واضاف المناخ غير صحي وعليه مسؤوليات ضخمة ، وقطع عباس بأن القطاع الصناعي لايستطيع العمل في ظل الظروف الاقتصادية المعقدة ، واضاف أن التجار ليس موظفين في الحكومة ، واضراب التاجر يؤكد أن هناك شيئا كبيرا حدث ، لجهة أن العمل ذاتي ، وغير مرتبط بالحكومة، وجزم بالقول اضراب التجار يؤكد أن الوضع وصل الى انهيار تام ، واردف كرجال اعمال لا نعمل مع الحكومة ولكن نشغل الحكومة نفسها، ولذلك فإن الإضراب يؤكد أن الحياة العامة ستكون راكدة ، وهذا انهيار تام .
ما بنحلم
ويقول عامل اليومية عمر محمد خريج لغة انجليزية جامعة بحري و الذي تتكون أسرته من ستة أشخاص وهو سائق ركشة ولديه اثنان من الاخوات وأخ ، وقال عمر ان الدخل اليومي الصافي من الركشة لايتجاوز عشرة آلاف جنيه، وأشار في حديثه لـ (الإنتباهة) انه يتناوب على العمل مع أخيه الأصغر بعد عودة اخيه من الجامعة في الفترة المسائية، وأشار إلى أن دخل الركشة لا يكفي لتغطية الحاجة اليومية من مأكل ومشرب وتابع : ما بنحلم بصافي ربح اكثر من عشرة آلاف جنيه في اليوم .
إحباط
ويقول العضو السابق باتحاد الغرف الصناعية عباس علي السيد ان العمالة المثبتة والمؤقتة اصبحت مشكلة كبيرة لجهة ان المبلغ لايغطي تكاليف المعيشة ، مما جعل المنتجين يقللون الإنتاج، وهذه تشكل عامل ضغط على المصانع الكبيرة، وجزم بان العمالة الثابتة تواجه اشكالية كبيرة وان الحياة اصبحت قاسية وهناك إحباط مما ينتج عنها اصابات عمل ، أو ضعف في الأداء، وتهرب من العمل بجانب الغياب المتكرر ، سواء بعذر او بدون عذر ، واردف أن ذلك يؤثر على المنتج في قلة الجودة وايضا تظهر بعض سرقات ، ويتجاوز الأمر الى كثرة المطالب سواء لشراء الأدوية، أو مستلزمات المدارس ، والمواصلات ، ودمغ بالقول “الوضع أصبح قاسي جدا ”
وقال عباس لـ( الإنتباهة ) امس ان كثيرا من رجال الأعمال عمل على تجميد اعمالهم أو من لديه امكانية مصدر دخل آخر واكتفى به وهناك من هرب برأس ماله الى دول أخرى للاستثمار .
وقطع عباس بأن القطاع الصناعي يعيش حالة إحباط نتيجة سوء السياسات والركود ، والتضخم ، وبدوره سيقود الى إفلاس، واستدرك قائلا ” اذا لم يتم علاج جذري سنكون في ورطة ، ولفت الى ان العلاج يمكن ان يكون في تخفيف الضغط على القطاعات المنتجة من مطالب الحكومة ، وشدد على الحكومة بضرورة ان تتحمل جزءا من هذه الاعباء ، وانتقدها بانها تصرف فقط على منسوبيها ، وتضغط على الآخرين، وقال لابد من البحث عن موارد أخرى محلية أو قروض أجنبية، أو مساعدات ، مضيفا يجب أن تكون هناك خطط غير نمطية بأن تتجه الدولة لتصدير عمالة وتفعيل اتفاقيات مع بعض الدول التي بحاجة الى عمالة واضاف يجب أن يكون التفكير خارج الصندوق .
الجوع
قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي ان العامل غير المنتظم او عمال اليومية هو من يعمل خارج أي مظلة تأمينية أو اجتماعية، ويعتمد على تحصيل أجره بشكل يومي ، وتمثل العمالة غير المنتظمة في السودان أكثر من 40 %من العاملين في البلاد ، موضحا ان تأثير الاصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الانتقالية سلبيا على المدى القصير و المتوسط بسبب تداعياته على القطاعات المختلفة من المقاولات والصناعة والتجارة
السبب الرئيسي للأزمة الحالية هو عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية للحل والمواجهة ، وقال هيثم لـ(الإنتباهة ) امس بات المجال مفتوحاً لكافة الاحتمالات، فالطبقة السياسية لازالت تتلاعب بمصير الشعب والبلاد وهي غير مستعدة لتقديم أي تنازلات لكي تحسن من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبح ضاغطا على كل السودانيين بصفة عامة وعمال اليومية بصفة خاصة ويهدد بانفجار شامل .
ونبه الى ان %80 من العاملين في الوسط النقابي والمسئولين عن حقوق العمال، ليس لهم علاقة بالعمل النقابي من الأساس، وكل سياسيِّي السودان لا يحتاجون للعمال ولا يقتربون منهم إلا أوقات الانتخابات.
واضاف يعمل عامل اليومية منذ الصباح الباكر حتى بداية الليل، ويحصل على مبلغ زهيد لا يكفي حتى لشراء أسطوانة غاز ،و المبلغ الذي يحصل عليه العامل لا يستطيع عبره توفير متطلبات الحياة الكبيرة .
وقال هيثم بعض العمال يحصلون على فرصة ليوم واحد وأربعة أيام دون عمل، ما يجعلهم وأسرهم يعانون من الجوع وطالب الدولة بضرورة الاهتمام بهذه الشريحة المهمة، فهؤلاء العمال يستحقون الوفاء فهم جوعى وسط واقع كله غلاء .
80% فقراء
وأردف فمع ارتفاع الأسعار الناجم عن تدهور العملة بشكل غير مسبوق، يستمر عامل اليومية النضال اليومي، لتوفير لقمة العيش التي باتت بعيدة عن متناول الكثيرين .
وكشف هيثم عن احصائية نسبة الفقر في السودان التي وصلت نحو 80% من السكان، مقارنة بنحو 49% قبل ابريل 2019 ، فيما يعاني أكثر من 15 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
وقال تآكلت احتياطيات النقد الأجنبي للدولة تدريجياً، وتخلت الحكومة الانتقالية عن دعم او تمويل استيراد كثير من السلع الأساسية.
خاصة مع انحسار الدعم الخارجي للبلاد ، مردفا إطالة أمد الصراع السياسي والتشاكس بين القوى السياسية فاقمت المشاكل الاقتصادية والمعيشية لغالبية السكان، خاصة مع فقدان نسبة كبيرة منهم لمصادر الدخل وسبل العيش وانهيار الأمن الغذائي وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل مضاعف خاصة أن السودان بلد مستهلك يستورد معظم احتياجاته من الخارج. مضيفا يستورد 60% من احتياجاته الغذائية الأساسية، والتي ارتفع سعرها بشكل حاد مع انخفاض قيمة الجنية، في حين تضاعفت تكلفة المعيشة طوال سنوات الحكم الانتقالي مما عملت على القضاء على الطبقة المتوسطة في السودان ووسّعت رقعة الفقر وأفقدت نسبة كبيرة من عمال اليومية قدراتهم في مواجهة الاحتياجات المعيشية الأساسية.
واضاف ما يعيشه السودانيون وعمال اليومية بصفة خاصة أمر طبيعي، لأن البلاد تعيش في مرحلة تضخم ركودي بلد مثل السودان لا يمكن ضبط أسعاره نسبة الانهيار الاقتصادي جزء منها يتعلق بالتضخم وآخر يتعلق بعوامل دولية.
الحد الآدنى للأجور
وقال الحكومة الانتقالية، ولو أرادت أن تكون “عادلة”، يجب أن ترفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى بين150 و200 الف جنيه ، غير ذلك يكون هناك ظلم بحق المواطن فالطبقة الوسطى في المجتمع أصبحت تهبط تدريجياً إلى مستوى متقارب مع الطبقة الفقيرة، ما ينذر بحالة خطر جراء تراجع القدرات الشرائية لدى المواطنين، ويعمل على زيادة نسبة الفقر في المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة
حالة الخوف من المستقبل والقدرة على تأمين لقمة العيش بعد مسلسل الارتفاع في الاسعار، كلها تجعل عامل اليومية يعيش الخوف من شكل الغد وما يحمله من صعوبات اقتصادية ومفاجآت.
فالوضع مقلق، وربما تكون له انعكاسات سلبية على الأفراد وعلى المجتمع ، فإنها تتجه بهذه الفئة العمالية نحو المجهول.