الصنمُ الإطاريُ ومنيةُ الحكمِ بلا انتخابات
تحدث السيد الفريق حميدتي قُبيل أيام، في جمع من قواته، حديثًا بدا طيبا، أكد فيه عدم صحة ما يُقال من خلاف بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، وما مردُ ذلك عنده إلا إلى شائعاتٍ ليس لها من أساس. وقد خفف حديثه ما جثم على صدور الناس من توتر، من مغبة أن لو كان ذلك الخلافُ أمرًا وقعًا حقا. ومما يدل على وقائع الأحداث، أن لظهراءِ الصنمِ الإطاري وسدنتِه، نصيبًا في تأجيج ما وصفه السيد حميدتي بالشائعات ونفاه. إذ ظلوا يقولون إن (الفلول) هم الذين يعملون على تأجيج ذلك الخلاف بين الفئتين العسكريتين. وما مُتراكمُ أقوالِ السيد ياسر عرمان لتسميم العلاقة بين القوتين العسكريتين بمُحتَجبٍ عن ذاكرة الناس، وهو الذي يُذكر له قولُه: إن قوات الدعم السريع ستكون نواة للجيش السوداني الجديد. وهو صاحب القول: إن الجيش يحتاج لجراحة عميقة، مما يعني أنهمْ همُ الذين سيُجرون له تلك الجراحة العميقة، ليشكلوا على انقاضه جيشًا جديدًا ذا عقيدة عَلمانةٍ جديدة، من أُناس لا يُسمع من أفواههم قولُ (الله أكبر) عندما يستبد بهمُ الحماسُ العسكري، وألا يترنموا بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) في جلالاتهم التي يرددونها أثناء ركضهم، وهي الكلمةُ التي باتت ذات َمقتٍ لرفيقه في المجلس المركزي والمتحدث باسمهم، خالد عمر، وذلك منذ المدة التي قضاها في الخدمة الإلزامية، كما قال ذلك لقناة) S 2 4 ) باعتبار أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هي وقفٌ على الكيزان التي (أدلجوا) بها الجيش، متمنيًا أن يغير من سماهم الشرفاء في الجيش هذه الأيديولوجية!!
كل ذلك يأمل قومُ قحتٍ المركزيون أن يحققوه، بعد أن تصفو لهم كأسُ السلطةِ خالصةً مُشَعشَعةً يديرونها بينهم، في سعادة لا يُعكر صفوَها عليهم فلولُ (الإسلامويين) الذين سيتخلصون منهم في مدة العشرِ السنوات التي حددها ياسر عرمان، لتكون مدىً زمنيًا للفترة الانتقالية، لحكومتهم العلمانية غير المنتخبة، والتي (سيُـرغمُ العسكريون) حسب تعبير الدكتور كمال عمر، على تشكيلها لهم، خالصة من دون الناس. ولا بد أن تأتي تلكك الحكومة بالطبع على أساس (الوثيقة السرية) للاتفاق الإطاري، التي غيرُ مسموح الاطلاع عليها لغير المركزيين من قحت، حتى يُعيدوا بها سيرة حكومتهم الأولى برئاسة حمدوك، التي كان أبرزُ إنجازاتها ضروبًا من الظلم والعسف والانتقام، ومصادرة أموال الناس بالباطل، ومحاربة دنين الأمة جهارًا، ونشر ضروبٍ من الكفرِ والفجورِ والفسوقِ والعصيان، لم يشهد لها السودان مثيلا من قبل. وإثر ذلك أو قبله، يكونوا قد تخصلوا من قائدي الجيش والدعم السريع، وألقوا بهما في غياهب السِجن في أرحم الخيارات. ذلك استقاء من تصريح منسوب إلى ياسر عرمان، إثر إبعاده من الخرطوم، التي جاءها بعد الثورة، ورفض أمنُ المطار آنذاك دخوله الخرطوم وأعاده قَسرًا مكبلاً إلى الجنوب، فأقسم هناك آيلاً على نفسه بالانتقام من البرهان وحميدتي معا. ومن نافلة القول فإن خالد سلك وعرمانه وغيرهما، لن يتمكنوا من تشكيل جيش جديدٍ ذي عقيدة إلحادية، تنكر كلمة التوحيد( لا إله إلا الله) فالدعمُ السريعُ والجيشُ فكلهم مسلمون من أسرة مسلمة ولن يكونوا من (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ( 86 البقرة.
هذا… وفي نفس حديثه لقواته، عرج السيد حميدتي على الحديث عن الديمقراطية والحكم المدني وما فيهما من خير للناس، وذكر أنهم ماضون في طريق تحقيقهما، فيُقال للسيد حيدتي نعم إنَ في الأمرين خيرًا ولكن كيف الوصول إليهما؟ فالحكم المدني يأتي عادة نتيجة للديمقراطية، والديمقراطية التي تعارف الناس عليها تأتي وليدة انتخابات حرة، يختار فيها الناسُ من يشاؤون ممثلين لهم. بيد أن ديمقراطيةً كهذه لن تسمح قحتٌ المركزية باللجوء إيها، و لن يعمل للوصول السفراءُ الذين جيء بهم لتسيير أمور السياسة السودان. إذ إنهم أسيرو هاجس الإسلاميين. وقد أفصح عن ذلك بكل وضوع السفيرُ الأمريكي في الخرطوم، حين التقى بالسيد دَقلل، زعيم قبائل البني عامر في شرق السودان، حيث قال له بلغة الحاكمِ المُمسكِ بزمام السلطةِ في السودان، كما جاء على لسانه في وسائل الإعلام: (لقد قررنا تأخيرَ الانتخابات، لأنها لو أجريت الآن فسيفوز فيها الإسلاميون)!! (أها، طيب، وبعدين! ) ولم يقل له السيد السفيرُ الحاكمُ المنتدبُ، متى أنهم سيُفرغون السودان من الإسلاميين، حتى يتكرموا على أهله بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، يفوز فيها المرشحون العلمانيون؟ الواقع أن قوم هذا السفير وغيرهم من الغربيين، لا يرغبون في أي حكم ديمقراطي في أي بلد مسلم سُني في العالم وبالذات في السودان. فهم يشجعون اتباع نهجهم الديمقراطي في البلاد غير الإسلامية، وفي البلاد التي يدعي سكانُها إسلامًا غير الإسلام السني، من شيعة وقيانيين، وأحمدية، وبهائيين، الذين فرعهم عندنا في بلادنا هم الجمهوريون. فالحكوماتُ في الغرب تهتم بمعتنقي تلك الأنواع من الإسلام في العالم، فهي تنفق عليهم طائل الأموال في إقامة مؤسساتهم وطبع مؤلفاتهم، وتحارب بهم الإسلام السني، وما الديانة الإبراهيمية التي اختلقوها الآن إلا هي حربٌ على الإسلام السني في العالم.
لقد حارب الغربيون أمريكيون وغيرهم الديمقراطية النيابية في الجزائر، بسب فوز الإسلاميين فيها، وكانت وسائلُ الإعلام الغربية؛ وقد تنكرت لمبادئ ديمقراطيتها تتساءل في خبثٍ تحريضي للجيش الجزائري،(هل سيسمح الجيشُ للإسلاميين أن يتولوا الحكم في البلاد؟) وكانت تلك الأجهزةُ الإعلاميةُ تكرر هذا التساؤل الخبيث، حتى أجهزت السلطاتُ هناك على سلطة الإسلاميين وما تبع ذلك من معاملات معلومة لزعمائها. وعندما فاز الإسلاميون في مصر، وانقلب عليهم الحيش، وجد ذلك الانقلابُ التأييد من ( رعاة الديمقراطية) في الغرب. ولما فاز الإسلاميون في غزة كان نصيبُهم حصارًا بريًا وبحريَا وجويا مستمرًا حتى اليوم، منذ أكثر من عشر سنوات، وهو يلقى التأييد من (رعاة الديمقراطية في الغرب) وعندما فاز أردوغان وحزبه في تركيا، حرضوا الجيش على الانقلاب عليه، ولكن الاتراك انتصروا لديمقراطيتهم رغم أنف الجميع. وهكذا ستكون الحكاية في أي بلد يفوز فيه الإسلاميون السنيون. وكذا دواليك سيستمر النفاقُ الغربي دون انقطاع، وسيظل عندنا الصنمُ الإطاري مُتعبدَ عاشقي الحكمِ المدني، بديمقراطية تُمنح لهم خالصةً من دون الناس، وبدون انتخابات، لأن الانتخابات عند السفراء سيفوز فيها الإسلاميون.