المقالات

التحول الديمقراطي وإجراء إنتخابات مجرد إدعاءات وفرقعات إعلامية


صديق البادي

بعد شهر واحد فقط سيبلغ عمر الفترة الإنتقالية أربعة أعوام بالتمام والكمال وهي فترة طويلة لم تبلغها أية فترة إنتقالية أخرى سابقة في السودان أو في أية دولة أخرى من دول العالم. ولا زالت الفترة الإنتقالية مستمرة وستمتد لعامين آخرين بعد أن يتم الإتفاق بعد ولادة قيصرية متعثرة على ملء الفراغ الدستوري الذي ظلت تشهده البلاد منذ اليوم الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام 2021م قبل أكثر من ستة عشر شهراً بعدم وجود رئيس وزراء وحكومة يرأسها وعدم وجود مجلس تشريعى إنتقالى يساهم في وضع الخطط للوزارات عبر لجانه المتخصصة ويحاسب ويراقب آداء الجهاز التنفيذى مع تجميد عمل المحكمة الدستورية لعدة سنوات حاق فيها الظلم بالكثيرين وإختل ميزان العدالة وإذا تم هذا التمديد سيصبح عمر الفترة الإنتقالية ستة أعوام قابلة لتمديد آخر وحينها يغدو الحديث عن التحول الديمقراطى مجرد لغو حديث وفرقعات إعلامية.. والأربعة أعوام إلا قليلاً التي إنصرمت من الفترة الإنتقالية شهدت هرجاً ومرجاً وصخباً وإزعاجاً سياسياً وصراعات حادة بين كافة المكونات السياسية وأصبح المتكالبون على السلطة مثل جياع يتدافعون بالمناكب ويتصارعون حول قصعة طعام قليل لا يناسب عددهم الكبير، وإن العسكريين والمدنيين الذين إشتركوا في السلطة ليست لهم شرعية وتفويض من الشعب عبر صناديق الإقتراع ويعتمدون على شرعية الأمر الواقع وهي شرعية يفترض أن تكون قصيرة الأمد ووفق الإتفاق الأول كان ينبغي أن تنتهي في شهر يونيو عام 2022م المنصرم (ومدتها المفترضة تسعة وثلاثين شهراً وهي فترة طويلة مقارنةً بالفترة الإنتقالية الأولى بعد ثورة أكتوبر عام 1964م وكان عمرها سبعة أشهر فقط والفترة الإنتقالية الثانية بعد إنتفاضة أبريل في عام 1985م وكان عمرها عام واحد فقط) وشهدت الفترة الإنتقالية صراعاً بين العسكريين والمدنيين وصراعاً بين المدنيين والمدنيين وصراعاً بين العسكريين لا سيما في الآونة الأخيرة بين بعض المنتمين للمكون العسكرى في مجلس السيادة والسبب المباشر لهذا الخلاف الحاد هو طرح مقترح بضرورة تكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة وحل مجلس السيادة ولو حدث هذا فأنه يؤدي تلقائياً لتراتبية جديدة في المواقع داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تلغي وتنهي التراتبية السابقة في مجلس السيادة وهذا هو السبب الفعلي للملاسنات والإنتصار للذات والغضبة المضرية والمناداة بتسليم السلطة السيادية للمدنيين وتنازل العسكريين عنها وحتى لو إفترضنا أن هذا سيحدث فأنه لا يمكن أن يتم بطريقة إنفعالية عشوائية والإبدال والإحلال يحتاج لترتيبات ليتم بطريقة إنسيابية سلسة يكون فيه البديل جاهزاً بعد التداول حوله والإتفاق عليه في هدوء وألا يترك تنفيذ هذا الأمر الحيوي للمجهول لأن عدم الإتفاق على الأسماء البديلة مسبقاً سيؤدي لصراعات شرسة بين المدنيين لا يعلم مداها ونتائجها إلا الله سبحانه وتعالى.. وبعيداً عن الشد والجذب داخل المكون العسكرى حول قيام مجلس أعلى للقوات المسلحة أو عدم قيامه فأن الأوفق من ناحية عملية وواقعية الإبقاء على مجلس السيادة ليكون رأساً للدولة وحفظ هيبتها ورمزاً للسيادة سواءً تم تكوينه من المدنيين أو من العسكريين أو كان خليطاً منهما شريطة أن يعمل في حدود إختصاصه ولا يتعداها مقتدياً بما حدث في الفترة الإنتقالية الأولى إذ كان مجلس السيادة مكوناً من خمسة من المدنيين المحترمين الذين كانوا رمزاً للسيادة ووقفوا عند حدود اختصاصهم ولم يتعدوها حتى إنتهت فترة تكليفهم وغادروا مواقعهم بعد أن تركوا ذكرى عطرة. وفي الفترة الإنتقالية الثانية كان المجلس العسكري الإنتقالى هو رأس الدولة ورمز سيادتها وعمل في إنسجام تام مع مجلس الوزراء الإنتقالى دون أن يحدث بينهما شد وجذب حتى إنتهاء تلك الفترة الإنتقالية. وفي الفترة الإنتقالية الثالثة الحالية فأن مجرد وجود عدد محدود من العكسريين في مجلس السيادة أدى لمظاهرات ومواجهات دموية استمرت لأكثر من عام وإذا أُعلن قيام مجلس أعلى للقوات المسلحة يحل محل مجلس السيادة فأن المظاهرات والمواجهات الدموية ستكون أكثر عنفاً وشراسةً ولذلك فأن الإبقاء على وجود مجلس السيادة حتى إنتهاء الفترة الإنتقالية هو الأفضل.. وظلت الفترة الإنتقالية الحالية تشهد تدخلات أجنبية سافرة ووصاية خارجية وإختراق للسيادة الوطنية وتدخل في السياسات الداخلية وفي هذا استهوان ومن يهن يسهل الهوان عليه. والأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية إنحدرت للدرك الأسفل من السوء وإشتد الإجرام والإنفلات الأمنى مع ظهور سلسلة من الإضرابات المتلاحقة بسبب سوء الأوضاع المعيشية والإجحاف في نيل الحقوق ولو في حدها الأدنى وإذا لم توجد معالجات جادة قد يؤدي هذا بالتدريج لعصيان مدني. وإذا إشتد ترديء الأوضاع أكثر قد يؤدي لإنفجار شعبي تلقائي ليست وراءه أي دوافع سياسية والمؤسف أن المتصارعين حول مقاعد السلطة وجاهها وأبهتها لا يولون هموم الشعب المعيشية والخدمية والأمنية إهتمامهم ويتعاملون معها باستخفاف وإزدراء ناسين إن هذا الشعب العظيم صبور وحليم ولكن للصبر وللحلم حدود وقيل (أحذروا غضب الحليم) وإذا ثار الشعب ثورة مضرية فأنه سينهي كل هذا السخف والعبث السياسى.

وفي العهد السابق تدخل النظام الحاكم في شؤون داخلية لدول أخرى حاول أن يفرض وصايته عليها ولا يتسع الحيز لا يراد أمثلة عديدة وقد دفع الوطن ثمناً غالياً لتلك التدخلات وحشر الأنوف في شؤون الآخرين ورغم المعاناة الداخلية الآنية تكررت ذات الممارسات بالتدخل في شؤون الآخرين وينطبق في هذه الحالة المثل (عريانة وتكسى في جيرانها) ومع معاناة المواطنين في الداخل وبدلاً من السعي لإيجاد معالجات لها إنصرف البعض للتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى مثل تشاد وأفريقيا الوسطى قائمين بدور الوكيل عن طرف من الأطراف الأجنبية المتنافسة في أفريقيا وهي أمريكا وبعض الدول الأوروبية من جانب وروسيا من جانب آخر والمواطن السوداني لا ناقة له ولا جمل في ذلك الصراع بين تلك القوتين الدولتين المتصارعتين.. ورغم ترديء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية والأمنية إلا أن البعض وبسبب الترف والتخمة الزائدة يأملون في إقامة انتخابات مبكرة لرئاسة الجمهورية وهذه محض أوهام وأحلام سرابية.. والجمعية التأسيسية التي تمثل إرادة الشعب لو تم إنتخابها فهي التي تقرر شكل النظام القادم وهل يكون نظاماً رئاسياً أم نظاماً برلمانياً أم نظاماً برلماسياً مختلطاً يجمع بين سمات النظام الرئاسي وسمات النظام البرلماني كما هو مطبق في فرنسا. وعندما يحين موعد الإنتخابات بعد سنوات إذا تم إختيار النظام الرئاسي فأن الباب يكون مفتوحاً لكل من يأنس في نفسه الكفاءة والقدرة وفق الشروط التي ينبغى أن تتوفر في المرشح الرئاسى ويكون هذا الحق مكفولاً للمدنيين والعسكريين شريطة أن يتركوا العمل في المجال العسكرى ويحالوا للتقاعد ويتخلوا عن رتبهم العسكرية ويصبحوا مدنيين ومن حق الواحد منهم أن يكون هو وآخرون تابعون له حزب ويدخل في تحالف عريض مع آخرين. وفي العهد المايوي كان الإتحاد الإشتراكى هو التنظيم الوحيد وكان مرشحه الوحيد يجرى له استفتاء ويوضع صندوقين يكتب على أحدهما (نعم) وعلى الآخر (لا) وعلى الناخب أن يضع بطاقته الإنتخابية في أحد الصندوقين وعند إنتهاء الاستفتاء وفرز البطاقات كان يعلن أن المرشح الوحيد نال في الاستفتاء حوالى 99% ويمارس عمله بسلطات واسعة وقد حل مجلس الشعب الأول بعد تسعه أشهر من إنتخابه وحل مجلس الشعب الثانى ومجلس الشعب الثالث ومجلس الشعب الرابع بقرارات جمهورية مفاجأة دون أن يكمل أي مجلس من تلك المجالس نصف دورته أما مجلس الشعب الخامس فقد صدر قرار بحله بعد نجاح الإنتفاضة واسقاط ذلك النظام. أما العهد السابق فقد فتح المجال لتكوين الأحزاب بشروط سهلة حتى زاد عددها من المائة حزب (وتلك مهزلة) وكان حزب المؤتمر الوطني الواجهة السياسية للحركة الاسلامية هو المسيطر والمهيمن وكان يكتسح الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية والولائية لأنه يمسك بكل مفاصل السلطة والمال والإعلام والأمن وكان يتخلى عن بعض الدوائر ويترك شيئاً من الفتات لعدد من الأحزاب الصغيرة الدائرة في فلكه وأطلقت على تلك العملية يومئذ وصف (الزير والقلل) والزير الكبير هو الحزب الحاكم والقلل الصغيرة هي بقية الأحزاب الأخرى. وبعد إنطواء صفحة ذلك العهد وفقدان حزبه لسند السلطة والمال والإعلام والأمن تحول من زير لقلة كبيرة من بين بقية القلل الأخرى والعقلاء فيه وهم كثر يسعون لإجراء مراجعات ونقد ذاتي للتجربة والصبر على إعادة بناء التنظيم من القاعدة للقمة ليكون له وجود جزئي في مرحلة الديمقراطية الرابعة ولكن بعض المتلهفين للعودة السريعة  للسلطة عن طريق الإنتخابات للهيمنة القديمة فأنهم يحرثون في البحر ووجودهم سيكون وجوداً جزئياً. وإذا حسب فرد ثري أن المال سيرفعه لمقام الرئاسة والموقع الأول في الدولة فأنه لن يبلغ مبتغاه ولو أنفق أضعاف أموال قارون وحتى لو حقق ما يصبو إليه فأنه ليس إنساناً خارقاً لنواميس الكون ويمكن أن يكون الكل في الكل في إدارة أعمال وأموال تخصه.. أما الإنتخابات البرلمانية فقد سقطت من قبل الديمقراطية الأولى وسقطت الديمقراطية الثانية وسقطت الديمقراطية الثالثة رغم أن الأحزاب كانت أقوى وتتمتع بقيادات أكثر قدرةً وتاثيراً من القيادات الحالية على كافة المستويات القيادية والوسيطة والقاعدية وكانت قادرة على إيجاد التمويل المالي الوافر من مصادر تعرفها مع قدرتها على تحديد مرشحيها في كافة الدوائر دون أن تحدث تفلتات أما الآن فأن الأحزاب ذات الوزن الجماهيري الخفيف (وزن الريشة) هي المسيطرة والجالسة على كرسي الوصاية على الآخرين رغم أن الواحد منها لا يستطيع أن تكون له عن طريق صناديق الإقتراع الأغلبية في لجنة شعبية قاعدية بقرية أو بحي من أحياء المدن ووجود بعضها كان صفرياً في كل البرلمانات في مختلف العهود السابقة. أما الأحزاب التي كانت كبيرة بمقاييس الأمس فهى الآن في أضعف حالاتها وحالها يغني عن سؤالها ويدعو للرثاء وقد أضحت كالخيول القديمة المنهكة المتعبة وعليها إعادة بناء نفسها وعلى كافة الأحزاب أن تترك الآن اللهث وراء كراسي السلطة وعليها أن تنصرف لإعادة بناء نفسها وإذا أجريت الآن إنتخابات فأنها ستفرز ديمقراطية رابعة ضعيفة هزيلة لن تستطيع الصمود لمدة ثلاثة أشهر وسيسقطها إنقلاب عسكري والضرورة تقتضي إصدار قانون يقضي بألا يتم تسجيل حزب إلا إذا كانت عضويته المؤسسة له لا تقل عن خمسمائة الف عضو من كافة أرجاء القطر لإنهاء مهزلة المائة حزب والأمل ان يكون عدد الأحزاب قليلاً ومحدوداً ويحبذ ألا يزيد العدد على حزبين أو ثلاثة مع ضرورة إقامة تحالفات بين المتقاربين فكرياً وقد أضرت بالبلاد كثيراً تحالفات المتنافرين فكرياً (سمك لبن تمر هندى).. وأكمل في الحلقة القادمة بفتح أوراق وملفات الثورة والدولة في الأربعة أعوام المنصرمة من العهد الإنتقالى الحالى.

1669117478_300_العدل-والمساواة-لسنا-طرفا-في-الحوار-السري-والجهري-بين-المكون.webp التحول الديمقراطي وإجراء إنتخابات مجرد إدعاءات وفرقعات إعلامية





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى