أخبار السودان

الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.. الرمال تتحرك


تقرير: محمد جمال قندول

في الوقت الذي تنشغل فيه القوى المدنية السياسية بالتجاذبات وسط حالة من الانقسام السياسي والعسكري، تنزلق الاوضاع الاقتصادية صوب الاسوأ، خاصة عقب الاجراءات الاخيرة لوزارة المالية بوضع زيادات جمركية على سلع متعددة، فضلاً عن ارتفاع اسعار المعاملات المدنية والخدمية، وذلك ضمن خطة الاصلاح الاقتصادية المتضمنة رفع الدعم التي توصلت اليها حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك مع المؤسسات الدولية وواصل فيها وزير المالية الحالي د. جبريل ابراهيم
وقوبلت الزيادات برفض كبير لجهة انها طبقت في ظل انعدام كامل لمظلات اجتماعية تحمي غالبية الشعب المكتوي بوطأة تطبيق هذه السياسيات وتراجع المشروعات القومية وحالة الفراغ الدستوري وزيادة رقعة المشكلات السياسية التي رسمت واقعاً مأساوياً للبلاد ينذر بحالة الانهيار الكامل.
زيادات جديدة
وفي الخامس والعشرين من اكتوبر 2021م اقدم قائد عام الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان على اجراءات انهى بموجبها الشراكة الممتدة بين المكون العسكري والحاضنة السياسية للفترة الانتقالية الحرية والتغيير المجلس المركزي، بعد عامين ونصف العام من التنافر والتجاذب، الامر الذي ادخل البلاد منذ قرارات الجنرال في ازمة سياسية تعد الاعقد في تاريخ الفترات الانتقالية حديثاً وقديماً، وثمة جدل كبير في توصيفها، حيث يتمترس جماعة المجلس المركزي خلف تسميتها بـ (الانقلاب)، فيما ترى قيادات الجيش انها كانت اجراءات تصحيحية قادت لاحقاً الى ايقاف المساعدات الاقتصادية الدولية من دول الاتحاد الاوروبي وامريكا، الامر الذي حتم علة وزارة المالية اللجوء لموازنة قاسية في مطلع 2022م، وظن الكثيرون انها لن تستمر طويلاً، ولكن جبريل عاد وضاعف محن المواطنين في العام الجاري بزيادات كبيرة على السلع والمعاملات اثرت في الاوضاع المعيشية، لتتضاعف المحن مجدداً امس الاول باجراءات قاسية.
وفي وقت سابق من الاسبوع الجاري كشف وزير المالية جبريل إبراهيم عن الاستمرار في الإصلاحات والسعي إلى رفع الدعم عن الغاز في الفترة المقبلة. واضاف ابراهيم في حوار مع شبكة CNBC)) عربية، ان البلاد تواجه تحديات اقتصادية كبيرة.
ويأتي التلويح بزيادة أسعار الغاز لتزيد معاناة المواطنين، خاصة انها اذا طبقت ستلجأ الافران لزيادة اسعار الخبز مع اقتراب شهر رمضان، الامر الذي قد يزيد حالة الاحتقان الشعبي المتزايد خلال الآونة الاخيرة.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير ان القرارات التي اتخذت أخيراً ستعقد المشهد، باعتبار ان كل ما اتخذ من اجراءات العام الماضية شكل ضغطاً كبيراً للوضع الاقتصادي وقاد الى شبه توقف تام للقطاعات الانتاجية، فضلاً عن حالة الركود التي يشهدها النشاط التجاري في البلاد.
ويشير الناير الى ان حل الازمة الاقتصادية لن يكون بمعزل عن الوصول لتوافق شامل ينهي الصراع السياسي في البلاد وتعيين حكومة كفاءات مستقلة تدير ما تبقى من الفترة الانتقالية وتعالج الملف الاقتصادي كأولوية قصوى وتهيئة المناخ للانتخابات.
وحذر الناير السياسيين والعسكريين من الانشغال بالصراع السياسي واهمال معاش الناس الذي قد يكون سبباً رئيساً في ادخال البلاد في نفق مظلم، ما لم تتم اعادة النظر في مجمل السياسات الاقتصادية في البلاد، خاصة ان مفهوم سياسة ايرادات الدولة يجب ان يتم عبر تخفيض الرسوم والضرائب وليس زيادتها وتوسيع المظلة افقياً وليس رأسياً.
أفق الحل البعيد
ولما يزيد عن العام فشل الفرقاء السودانيون في التوصل لحل يفضي الى استئناف الانتقال المتعثر، رغم الجهود الدولية والمساعي الاقليمية والتحركات الداخلية، حيث مازال افق الحل بعيداً عن المنال وسط حالة من العبث السياسي الذي اشاع حالة من الاحباط وسط المواطنين جراء حالة الرفض والرفض المضاد بين مكونات الملعب السياسي.
وفي مطلع ديسمبر الماضي وقع المكون العسكري والمجلس المركزي واحزاب اخرى على اتفاق اطاري دخل مراحله النهائية خلال فبراير الجاري، ولكنه يقابل برفض من تحالفات وتيارات سياسية اخرى شاركت بدورها في ورشة دعت لها القاهرة, ورغم تعدد المنابر وتنوع الراعين للوصول لتسوية سياسية، الا ان الاطراف فشلت في تقديم حل يرضي تطلعات الشعب، وزادت الاوضاع ضبابية الانباء التي تتحدث عن خلافات بين رئيس مجلس السيادة ونائبه.
وتسببت الازمة السياسية والاجراءات الاقتصادية الاخيرة في موجة غضب المواطنين في منصات التواصل الاجتماعي بسبب الاوضاع الماثلة التي وصلت لحد السخرية والتندر عن فشل السودانيين في الوصول لحل عبر التفاوض، واعتبروا أن استمرار المشهد بشكله الحالي قد يفضي الى سيناريوهات متعددة منها الفوضى والانقلابات العسكرية وغيرها.
ويذهب الخبير والمحلل السياسي د. عبد الرحمن خريس الى ان الاجراءات الاقتصادية الاخيرة جاءت بعد اجازة الموازنة الاخيرة ولم تكن متوقعة خاصة مع حالة الركود في الاسواق، واعتبر محدثي ان اجازة القرارات الاقتصادية بلا برلمان او حكومة ستظهر تداعياتها بشكل مباشر على المواطنين وتقدح في مصداقية المسؤولين عن ادارة الشأن العام، كما انها تساهم في زيادة حالة الاحتقان.
وحذر خريس من تأخير تشكيل الحكومة وربطها بالتسوية السياسية، معتبراً ان تسمية رئيس وزراء ينبغي ان تكون اولوية لدى البرهان، وذلك للحد من الازمة الحالية الناتجة عن حالة الفراغ الدستوري لأكثر من عام.
وفي بحر الاسبوع الماضي دق المفوض العام لمفوضية الأمان الاجتماعي والتكافل وخفض الفقر ناقوس الخطر، وذلك بارتفاع نسب الفقر لما يقارب 65%، وهو ما يعد نسبةً مرتفعةً جداً ومؤشراً على الانهيار، حيث انه في اغسطس من العام الماضي أعلن برنامج الأغذية العالمي ان (15) مليون سوداني يواجهون خطر النقص الحاد في الغذاء، وذلك نتيجة النزاعات والحروب والظروف المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي.

1669117478_300_العدل-والمساواة-لسنا-طرفا-في-الحوار-السري-والجهري-بين-المكون.webp الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.. الرمال تتحرك





المصدر من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى